"أمهات الرؤساء".. سيدات أثرن في تاريخ مصر
رؤساء مصر
"الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبًا طيب الأعراق"، "ليس يَرْقى الأبناء في أُمة ما لم تكن قد تَرَقَّت الأُمَّهات" بيتا شعر لحافظ إبراهيم، وجميل الزهاوي، الأول لا يخلو منه أي كتاب مدرسي، مر طيفه على كل طفل وتلميذ وأب وأم، أدركه الجاهل منهم قبل العالم، فيما حاول البيت الثاني الاحتفاء بالأم التي صنعت من صغارها قادة وزعماء، وربما سلط في جنباته ضوءً من أجواء مخفية للبعض عن طفولة رؤساء قادوا أمة، أثروا في مسير حياة بلد بأكملها، خلق منهم الحكي والموال والظروف الصعبة والمعاناة قادة وقدوة لشعب بأكلمه، مشوار بطولة خطت أولى نسائمه الأم، هنا خلد الحرمان والحكمة والعطف والحنان تاريخ سياسي لا ينضب.
"الوطن" ترصد في السطور المقبلة، قطرات من تاريخ نبع الأمومة في حياة رؤساء مصر، من السيدة "زهرة" والدة الرئيس محمد نجيب وحتى السيدة سعاد إبراهيم، والدة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ـ الرئيس محمد نجيب:
كانت والدة اللواء محمد نجيب تدعى "زهرة" وكان أبيها ضابطًا كبيرًا في الجيش برتبة "أميرالاي" كان اسمه محمد عثمان بك وكان قائد حامية بوابة المسلمية إحدى معاقل الخرطوم الجنوبية، وكانت أصغر إخوتها.
أثرت والدته فيه بحكيها له تاريخ جده المناضل وجزء من كفاحها في أثناء إلقاءه لرأسه على حجرها بعد أن عاقبته بجرحه بالموس، حيث كان طفلًا مشغولًا عن الدراسة بحفر الخنادق والاستحكامات، فكان يتشبه بالجنود والضباط ويرتدي "قايش" أبيه حول وسطه ويصف أمامه أشقائه وبنات خاله، يعلمهم الضبط والربط وكان جزاءه الدائم الضرب إلى أن وصل الأمر إلى حد تفجير البارود في حوش البيت فعاقبته أمه بجرحه بالموس ولكنها كانت تضمد جراحه وتربطه بالشاش وتضع رأسه في حجرها وتروي له تاريخ جده المناضل وجزء من كفاحها من أجل أسرتها بعد استشهاد أبيها، حسب ما روى في مذكراته عنها.
ـ الرئيس جمال عبدالناصر:
فارقها وهو ابن الـ8 سنوات، ففي عام 1925 دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عند عمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبة في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – 1926 – علم أن والدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشف ذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه –كما ذُكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداي تايمز"، وفقًا بموقع جمال التابع لمكتبة الإسكندرية– ثم أضاف: "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمرًا محزنًا للغاية، أما فقدها بهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعورًا لا يمحوه الزمن. وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضًا بالغًا في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين".
وفي كتاب شخصية عبد الناصر وحياته لـ"نجاح العشري"، ذكر أن والدة "ناصر" رحلت تاركة أربعة أبناء أكبرهم جمال، وكان عنده ثمان سنوات ثم عز العرب والليثي، وأصغرهم شوقي الذي كان عمره يومًا واحدًا فقط.
فكانت فهيمة محمد حماد، ابنة تاجر الفحم بمديرية المنيا والذي استطاع بعد قدومه من الصعيد وفي فترة قصيرة نسبيًا وبمقدرة تجارية عالية تكوين ثروة لا يستهان بها جعلته في مصاف التجار المعروفين، وذكرت صديقتها وهيبة النشار أن والدة جمال عبدالناصر كانت على دراية واسعة بعملية الشراء من الأسواق وحسن اختيار الجيد والمتقن من السلع ومهاراتها في فنون المفاضلة بينها وكذا الفصال حول الثمن المطلوب "من هنا كانت تنوب عني في شراء احتياجاتي من الملابس ولوازم البيت وتترك جمال في رعايتي فكان طبيعيًا أن أتولى إرضاعه".
السيدة الإسكندرانية، تأثر جمال بموتها فكان يحرص على مراسلة والديه حتى تعرضت هذه المراسلة إلى انقطاع اضطراراي سبب له حزنًا وقلقلًا وكان ذلك بسبب وفاة والدته بعد مرض لازمها إثر ولادة شوقي آخر ابنائها وكان يكن لها احتراما بالغا ويبثها همومه وشجونه ولواعج نفسه ويستعين بمشورتها الحكيمة، الأمر الذي أحدث بفقدها شرخًا في عالمه الروحي.
ـ الرئيس محمد أنور السادات:
"ست البرين"، هي والدة السادات من ذوي أصول سودانية، يقول السادات في حديثه مع التليفزيون المصري والذي نُشر في جريدة الأخبار بتاريخ 26 ديسمبر 1975 عن أمه وجدته لأبيه "كان قبل ما بنام بيحكولي أول حاجة ابتديت أحب اسمعها وأطلبها المواويل، إيه المواويل اللي كانوا بيحكوها لنا عشان ينيمونا بيها.. موالين، الموال الأولاني بتاع زهران بتاع دنشواي .. بيحكي قصة دنشواي.. الشعب من نفسه خلد كفاحه في موال وهذا الموال من الله بتحكيه لي والدتي الله يرحمها وستي.. الاثنين لا قرأوا ولا كتبوا لكن توارثوه عن اللي قبلهم زي شعبنا ما ورث أصالته كلها عبر التاريخ".
وهي كانت ابنة رجل اسمه خير الله، وكانت الزوجة الثانية لمحمد محمد الساداتي وذهبت معه إلى السودان وهو موظفًا مع الوحدة الصحية، وكان يرسلها إلى أمه في قرية "ميت أبو الكوم" بالمنوية لتضع مولودها وتتركهم بعد ذلك في رعاية جدتهم بعد رضاعتهم وتعود إلى الخرطوم، حسب ما ذكر الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب".
ـ الرئيس حسني مبارك.
كانت والدته فلاحة بسيطة تدعى "نعيمة"، لم تتلق أي قدر من التعليم، وذكر الكاتب محمد الباز في كتابه "سقوط الآلهة" أنها أنجبت 5 أبناء من بينهم ابنها الذي حكم مصر، وأن العلاقة تجمدت بينه وبين والدته منذ كان طالبًا في الكلية الحربية فكان يتردد على أمه مرة كل 3 أشهر ولم تكن الزيارة تستغرق إلا عدة ساعات يعود بعدها مبارك إلى كليته، وتوفيت في 22 نوفمبر 1978 وكان وقتها نائبًا لرئيس الجمهورية شارك الرئيس السادات في تشييع الجثمان وأقام ليلة عزاء واحدة لوالدته على أن يتلقى العزاء تلغرافيًا على قصر عابدين.
ـ الرئيس عبد الفتاح السيسي:
سعاد إبراهيم، والدة الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي فارقت الحياة في أغسطس 2015، وقال السيسي في حواره الذي أجراه على قناة "القاهرة والناس" أثناء ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، أنه محظوظًا بوالدته لأنها كانت شديدة الحكمة، والإيمان بالله، وعلمته التجرد بمعنى القدرة على الحكم دون هوى والموضوعية، وقال إنه لم يجدها تسيء لأى شخص من جيرانها وكانت دائمًا ما تلتمس العذر للناس، وتابع: "عمرها ما قالت لي ليه ماجيتش تزورني بالرغم من أنني أعيش معها في البيت ذاته".
وفي حديثه أمس مع المخرجة ساندرا نشأت في برنامج "الشعب والرئيس"، قال الرئيس السيسي، إن والدته كانت حكيمة وصاحبة رأي ورشد عجيب، وأثرت فيه كثيرًا.