لا تستغرب عندما تعلم أن سيف الإسلام القذافى أعلن عزمه الترشح فى انتخابات الرئاسة الليبية منتصف العام الحالى، واستوعب أن السلطوية فى عالمنا العربى لا تفنى ولا تستحدث من عدم. مؤكد أن كثيرين ما زالوا يذكرون سعى «سيف الإسلام» السابق إلى وراثة عرش أبيه القذافى، وهو السعى الذى تبدد بقيام ثورة فبراير 2011. يبدو أن حلم الحكم من الأحلام القديمة المتجددة فى وجدان من تربوا فى قصور الرئاسة، الأمر يبدو طبيعياً داخل الممالك، لكن العقل لا يقبله داخل الدول الرئاسية. بشار بن حافظ الأسد فتح السكة عندما تولى الحكم فى سوريا عقب وفاة أبيه، وقد فتح سكة جديدة أيضاً لإجهاض ثورات الربيع العربى، بعد أن أفلح فى إخماد الثورة السورية بالحديد والنار، وسمح هو والثائرون ضده بتدفق القوات الأجنبية إلى بلادهم، وكأن الطرفين -الحاكم والثائر- تصالحا على فكرة الحكم أو الحرق، فحرقوا سوريا.
«بشار» يمثل مفتاحاً مهماً لفهم تحركات «سيف الإسلام»، فمثله مثل الكثير من أبناء منظومة الحكم الذى ثارت عليه الشعوب العربية بدءاً من عام 2011، استمتع بحالة الفوضى التى ضربت بلاده عقب الثورة، بل ليس من المستبعد أن يكون قد أسهم هو وعناصر المنظومة التى ينتمى إليها فى دعمها. واليوم الفرصة سانحة للانقضاض على ما حدث وتجديد الحلم القديم والسعى إلى دخول قصر الحكم تحت شعار لطيف ظريف اسمه «الإنقاذ». فقد أعلن أيمن بوراس المكلف بالبرنامج السياسى والإصلاحى لسيف الإسلام القذافى، خلال مؤتمر صحفى، أن سيف الإسلام القذافى من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة لا يطمح إلى السلطة بمفهومها التقليدى بل هو يطمح إلى إنقاذ بلاده!. «الإنقاذ».. إنها الكلمة التى يعرف كيف يداعب بها الحالمون بالسلطة آذان الشعوب المتعبة والمنهكة، وتهمل وهى تفكر فى حالها أن من يعدونها بالإنقاذ اليوم يعدون سبباً مباشراً من أسباب مأساتها.
هل يستطيع أحد أن يلوم «سيف القذافى» أو غيره من أبناء الحكام الذين ثارت عليهم الشعوب، على الخطوة التى اتخذها أو الخطط التى سلكها حتى يصل إلى محطة الترشح للرئاسة؟. أظن أن اللوم لا يقع عليه. رجل حالم بالسلطة، يكره الثورة التى قامت، وينقم عليها قتلها لأبيه، ويبحث عن طريق للعودة إلى العرش. لو كان ثمة طرف لا بد أن يلام فعلينا أن نحدده بدقة وأمانة فى الجموع التى ثارت ضد «القذافى»، ولم تفلح بعد التخلص منه فى إعادة صياغة المشهد لصالحها، ولم تفلح فى تقديم نفسها كبديل قادر على قيادة البلاد وحل مشكلات العباد عقب الثورة. الشعوب هى الأخرى يقع عليها بعض اللوم؛ فالشعب الليبى شأنه شأن العديد من الشعوب العربية التى ثارت ضد حكامها، لم تتمتع بالنفس الطويل، ولم تصبر على دفع ثمن التغيير، بل مالت إلى التشرذم والتفكك، وبدأت تبحث عن حل يمنحها أى نوع من الاستقرار. ولم تفهم أن إعادة إنتاج المشكلة لا بد أن يؤدى إلى نفس النتيجة.. إنه ببساطة شراء للوهم.. السلطوية لا تنتج إصلاحاً ولو أعجبتكم!.