"لو نفسك تغنى.. نفسك تمثل.. نفسك تبقى نجم مشهور.. شايف نفسك مذيع المستقبل.. عندك موهبة فى أى حاجة.. اتصل من بلدك على الأرقام الموجودة أرضى أو محمول.. أو ابعت رسالة اكتب فيها أنا موهوب وجنبها موهبتك عشان تحقق حلمك.. البرنامج الأكبر والأضخم....".
صيغة تكاد تكون واحدة فى كل إعلانات برامج اكتشاف المواهب فهى دائماً الفرصة التى لن تتكرر والتى ستغير حياتك وتحقق حلمك على الأقل بالظهور فى المسابقة ربما تكون نقطة الانطلاق فمداعبة حلم الشهرة نتيجتها دائماً مضمونة فما أكثر من يمتلكون المواهب الحقيقية وينتظرون فرصة تساعدهم فى الإعلان عنها وأيضاً من يعتقدون امتلاكها طامعين فى الشهرة و"حركاتها" وفى كل الحالات الرابح الأول والأكبر إدارة البرنامج والشركة المنتجة.
البحث عن تحقيق الحلم أمر مشروع ومحاولة اقتناص أية فرصة لذلك أيضا أمر مشروع ولكن غالباً ما يضيع كل ذلك فى مجرد "مشروع"!
المدهش أنه منذ سنوات وتحديداً منذ ديسمبر 2003 مع بدء انطلاق البرنامج الأكبر والأكثر شهرة فى اكتشاف المواهب الغنائية "ستار أكاديمى" وأصبحت البرامج من تلك النوعية منتشرة انتشاراً كبيراً خاصة بعد نجاح "ستار أكاديمى" الذى فاق كل التوقعات علماً بأنه ومعه كل البرامج فى هذا الإطار فى الأصل هى نسخ معربة من النسخ الأجنبية الأصلية ومع ذلك لا مانع طالما نقدم "فورمات" مضمون إلا أنه وفى ظل كل هذا الدعم والإبهار والسماوات المفتوحة مع الإمكانيات غير المحدودة كان متوقعاً أن تغرق الساحة بالمواهب فى كل اتجاه و"على كل لون يا باتيستا" إلا أنه ورغم الـ "بروباجندا" الضخمة المصاحبة لكل برنامج ورغم كل الألقاب والاحتفالات الصاخبة بالفائزين .. إلا أن النتيجة الحقيقية دائماً "لم ينجح أحد"!
من متابعة هذه البرامج على مدار مواسمها تكتشف أنها جمعت مجموعات ضخمة ومتنوعة من المواهب على مستوى الوطن العربى قادرة فعلاً على قلب موازين الساحة الفنية ولكن تحت سيطرة سياسة الـ "شوو" الإعلامى والإعلانى كان الهدف الأول لهذه البرامج هو حصد أكبر قدر من المكاسب المالية ما يضمن لها الاستمرارية بكل عناصر الجذب والترغيب الممكنة وعليه فأصبح مباحاً اللعب بأحلام هؤلاء الشباب وطموحهم فى الانطلاق بموهبتهم والتلاعب بهم كـ "العرائس الماريونيت" والسخرية منهم بصناعة المواقف والإيفيهات الساخنة دون حساب لمشاعرهم أو أحلامهم أمام الهدف الأسمى وهو الـ "شوو" بل وصلت الأمور لأبعد من ذلك بالتلاعب فى النتائج فى بعضها وأحياناً يكون محدداً من البداية الفائز لهذا الموسم بناءً على اعتبارات تخص إدارة البرنامج!
فى البحث عن سبب فشل هذه البرامج تجده فى عدم الاهتمام بالمواهب التى تقدمها وإدارتها أو فتح فرص ومجالات لها بعد انتهاء كل موسم ومن جانب آخر عقود الاحتكار التى يتم توقيعها معهم وبشروط مجحفة لضمان عدم استغلال غيرهم لخيرهم والنهاية هى أن كل من هذه المواهب يجد نفسه كـ "ضحية" يحارب الأمواج وحده وبـ "دراعه" متروكين للـ "تلطيش" يميناً ويساراً فى محاولات مجهدة للتواجد بأى شكل أو إمكانيات متاحة بجانب صراعات فسخ التعاقدات للحصول على الحرية ما يُحدث تآكلاً فى خطوات الانطلاق الأولى ويؤثر بدوره سلباً على التواجد فيما بعد.
بنظرة على برنامج "ستار أكاديمى" الأضخم والأكثر شعبية تجد أعداداً مضاعفة من المواهب ذهبت مع الريح فبعد 11 موسماً قدمها حتى توقف الشركة الأم صاحبة النسخة الأصلية لإفلاسها لم يخرج منه نجوماً مؤثرة فى الساحة اللهم إلا محاولات و "معافرة" من بعض من تبقى عندهم الإصرار على التواجد وعدم التفريط فيه فمنهم من يتواجد بأى جودة ومنهم من يقدم كل فترة عمل "مرة تعدى ومرة تجلى" ولكن المحصلة النهائية لهذا البرنامج الضخم تعتبر "صفر" باقتدار وهو ما بدأ منذ النسخة الأولى والتى قدم بطلها "محمد عطية" كتالوجاً فى الفشل كما يجب أن يكون بين الغناء والتمثيل ثم السياسة أيضاً!
أيضاً برنامج "ستار ميكر" والذى قدمه التليفزيون المصرى فى بدايات تنفيذ هذه النوعية لم يستمر منه أحد ولم يحقق أكثر من الـ "فرقعة" والنتيجة أيضاً فشل ذريع والغريب أن المستفيد الوحيد من "ستار ميكر" بـ 4 مواسم هو مقدم البرنامج نفسه "أمير كرارة" الذى تحول لنجم سينما ودراما!
بالقياس تجد فى مجال الغناء "ذا فويس – آراب آيدول – إكس فاكتور – صوت الحياة" نتائج ضعيفة مقارنة بما يقدم فالأهم هو الانتقال للموسم الجديد ولا مانع من تدمير نفسية المتسابقين وأحياناً تدمير الموهبة نفسها كـ "ضحية" خدمة الـ "شوو" والـ "ساسبينس" الذى سيطر على عقول الصناعة الفنية بكل أشكالها على حساب الجودة والمضمون.
نسخة "ستوديو الفن" التى تم تقديمها فى مصر أيضاً لم تخدم مواهبها وكل منهم شق طريقه بالكاد وبتعب سنوات كفاح فأكثر اللامعين منه "بشرى" التى أصبح الغناء لديها مرتبة ثانية بعد التمثيل ثم اقتحمت مجال الإنتاج و"داليا أبو عمر" التى تنبأ لها الجميع وقتها باحتلال قمة تقديم البرامج وهى فى الحقيقة تستحق ذلك لامتلاكها أدواتها بحرفية وقوة إضافة للكاريزما ولكنها ابتعدت فترات طويلة لتعود مؤخراً بعد اكتظاظ الإعلام بكل من هب ودب ولكنها تستطيع أن تقفز لمسافات بعيدة إذا تهيأت الفرصة لذلك ... أما فى مجال التقليد فانطلق "وائل علاء" ثم سقط فى فخ الأداء المحدود والتشبه فكان انحساره أمر طبيعى.
أيضاً هناك فئة أخرى مثل "آرابس جوت تالينت" الذى يجمع كل شئ بنتيجة اللاشئ وعن اكتشاف المذيعين فى "مذيع العرب" لم يقدم البرنامج ما يدعم استمراره بعد فشل تقدير الفائز "خليل جمال" الذى استفاد من "البروباجندا" بمجهوده وإمكانياته وكانت الكارثة الكبرى فى "ذا كوميدى" والمفترض أنه لاكتشاف وإخراج مواهب كوميدية إلا أنه فشل حتى فى رسم البسمة حتى بلجنة تحكيمه بل نافس منفرداً "الخليل كوميدى" وكان يلزمه وضع تحذير بالمشاهدة على مسئوليتك الشخصية.
برامج اكتشاف المواهب أصبحت مقبرة للمواهب بين مكاسب التصويت والإعلانات معتمدة على مبدأ "يحمدوا ربنا إن الناس شافتهم وإتفرجت عليهم" وهم يصنعون من البعض "فُرجة" حقيقية لخدمة أغراضهم فاستضعاف المواهب والتقليل منها هو عار حقيقى فى إطار ترفيهى ليتحول الموهوب من مشروع نجم لـ "مشروع ضحية"!