بدأت إحدى الجمعيات حملة استباقية ليوم اليتيم بالدعوة إلى التبرع لتزويج عدة آلاف من اليتيمات، وهى حملة، لا شك أن وراءها النوايا الطيبة والرغبة فى تحسين حياة هؤلاء اليتيمات ونقلهن من دائرة اليتم وما بها من ظلم وضعف إلى دائرة الاستقلالية ببيت خاص بها وزوج يحميها ويكون لها السند.
ولكن هل النوايا الطيبة هى ما سوف يتحقق، أم أننا أمام ترجمة حرفية لمقولة «إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة».
فى الحقيقة، ربما كان الزواج هدفاً وتجسيداً لمعانٍ عدة، كالاستقرار والأمان منذ نصف قرن مضى، حينما كان الزواج يمثل الاستقرار، وكانت العائلات الممتدة تشكل داعماً رئيسياً للأسر الجديدة الناشئة، لتعينهم على مواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، كما كان التضامن الاجتماعى وإعلاء القيم هو العامل الرئيسى الحاكم فى الخلاف، لذا لم تكن معدلات الطلاق بهذه الأرقام الكبيرة.
أما الآن مع تطور الحياة وتزايد الضغوط الاقتصادية واختلاف شكل الأسر وتضاؤل التضامن الاجتماعى وارتفاع نسب الطلاق لم يعد الجواز هو بر الأمان المرجو، بل أصبحت نسب المخاطرة فيه كبيرة، وخاصة لهؤلاء اليتيمات اللاتى لا يمتلكن أى شكل من أشكال توازن العلاقة الزوجية، لا عائلة تحمى أو تدعم ولا شهادة تكفيها شر الحاجة ولا عمل تستند إليه ويحميها فى حال تعرضها لأى ظلم من زوج المستقبل.
وبدل أن نكون قد دعّمناهن للخروج من دائرة اليتم، نكون قد دفعنا بهن إلى دائرة الظلم، وفى غالب الأحوال نضيف ضحية جديدة، وهو الطفل الذى نتج عن هذا الزواج.
فهل الدعاة لهذه الحملة اطلعوا على أى معلومات أو تقارير حول الأوضاع الاجتماعية فى مصر، ونسب الطلاق، لا سيما فى السنة الأولى من الزواج، ونسب العنف المنزلى التى وصلت إلى 46 ٪؟
ما حال الزواج فى المناطق الريفية والصعيدية مِن الزواج المبكر،حيث يتم تزوير شهادة تسنين، لتثبت سناً أعلى من سن الفتاة، وبالتالى نكون أمام جريمة زواج مبكر يترتب عليها عنف وفقر ومرض.
لذا، قبل أن نفكر فى تزويج الفتيات الصغيرات اللاتى لا يملكن أى حرية قرار أو حتى حق تقدير ما يفيدهن وما لا يفيدهن، خاصة أن الزواج أصبح بداية لحياة تحتاج إلى الكثير من التخطيط، وخاصة المادى وليس فقط النوايا الطيبة، لا بد أن نعى أنه من المهم أيضاً تمكين هؤلاء الفتيات تعليمياً بأن يتحصلن على شهادة، وتمكينهن عملياً لمساعدتهن فى الحصول على عمل أو الوصول إلى قروض صغيرة ومُيسرة لبدء مشروع.
تبرعوا لليتيمات للتعليم والعمل حتى ينضجن ويعتمدن على أنفسهن، فيستطعن اختيار أزواج يكن عوناً لهم ويكونون عوناً لهن، بدلاً من التبرع لارتكاب جرائم زواج مبكر أو الزج بالفتاة فى علاقة تجد نفسها مضطرة لتقديم خدمات جنسية باسم عقد زواج مقابل فقط أن تجد من يطعمها، وفى أول خلاف يقذف بها فى الشارع هى وطفل يعانى اليتم ولكن من نوع آخر.