لم يكن سعد بن أبى وقاص شخصية عادية بكل المقاييس كان مقاتلاً محترفاً يجيد الرمى بالسهام، وكان قائداً عسكرياً من الوزن الثقيل، نجح فى قيادة المسلمين فى واحدة من أخطر المعارك التى خاضوها، سعد بن أبى وقاص فى المجمل كان رجل حرب، وكان دائماً ما يظهر فى المشاهد التى تتطلب الحراسة للنبى، سواء فى الحروب، أو فى المواقف العادية، حتى نعته صلى الله عليه وسلم بـ«خاله».
دخل سعد بن أبى وقاص فى مبارزة حضارية مع الفرس فى موقعة القادسية، وقد تولى سعد مهمة قيادة جيش المسلمين فى أصعب مرحلة من مراحل الحرب فى بلاد فارس والعراق، بعد استشهاد المثنى بن حارثة، فاستطاع بما حباه الله من كفاءة وقدرة قيادية أن ينزل بالفرس هزيمة ساحقة، وقد حصد سعد وجيشه مغانم كثيرة من قصور كسرى وما فيها من نفائس وذخائر، سيرها القائد المنتصر إلى المدينة، كما أسر وسبى الكثيرين، وكان من بين الأسرى بنات كسرى، وسار الجميع إلى مقر الخليفة عمر بن الخطاب.
سمّى عمر بن الخطاب سعداً ضمن أهل الشورى الستة الذين يختار الخليفة من بينهم بعد طعنه على يد أبولؤلؤة المجوسى، ولما ولى عثمان الأمر كان على الكوفة المغيرة بن شعبة فخلعه عثمان وأحل محله سعد بن أبى وقاص، لكن سعداً لم يمكث فى الولاية أكثر من عام، إذ قرر عثمان خلعه وتعيين «الوليد بن عقبة بن أبى معيط» مكانه، وهو واحد من أقاربه، وكان سعد بن أبى وقاص يعلم أن عمر حذّر عثمان من تعيين أقاربه والاستعانة بهم فى الحكم، لكن الأخير لم يسمع، لم يشارك سعد بن أبى وقاص فى الثورة ضد عثمان، وعندما ثار المصريون وأهل الكوفة والبصرة على عثمان طلبوا من سعد أن يكون وسيطاً بينهم وبينه، فأبى ذلك ورد عليهم بحسم: «لا ندخل فى أمركم»، ويحكى ابن كثير فى البداية والنهاية أن الثوار عاودوا الكرة مع «سعد» بعد اغتيال «عثمان» وعرضوا عليه الخلافة وحكم المسلمين وقالوا له: إنك من أهل الشورى، فلم يقبل منهم.
اعتزل سعد بن أبى وقاص الفتنة الكبرى، وعندما اشتعل الصراع بين على ومعاوية دعاه البعض إلى الخروج والمشاركة، «فقال: لا، إلا أن تعطونى سيفاً له عينان بصيرتان، ولسان ينطق بالكافر فأقتله، وبالمؤمن فأكف عنه، وقال: مثلنا ومثلكم: كمثل قوم كانوا على محجة بيضاء، فبينما هم كذلك يسيرون، إذ هاجت ريح عجَّاجة، فضلوا الطريق، والتبس عليهم، فقال بعضهم: الطريق ذات اليمين، فأخذوا فيها، فتاهوا وضلوا، وقال بعضهم: ذات الشمال، فأخذوا فيها، فتاهوا وضلوا، وأناخ آخرون، وتوقفوا حتى ذهبت الريح، وتبينت الطريق، فساروا»، وتُوُفِّى سعد فى قصره بالعقيق على بُعد خمسة أميال من المدينة، وذلك عام 55هـ، وقد تجاوز الثمانين، وهو آخر من مات من المهاجرين.