لفت نظرى فى الفترة الأخيرة عدد من الكتابات التى تنشغل بفكرة المؤامرة التى تستهدف بعض الدول فى بعض الأوقات، الحديث عن المؤامرة موجود طوال الوقت كأحد التفسيرات للتاريخ، وقد تجدد الحديث عنه والوعى به فى مصر فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو كمحاولة لتفسير ما جرى فى مصر والمنطقة عقب ٢٠١١، الحديث عن المؤامرة استدعى حديثاً مضاداً ينفيها نفياً تاماً ويلقى تبعة النكسات والهزائم العربية علينا نحن كشعوب.. وقد توقفت فى الأسبوعين الأخيرين أمام مقالين أحدهما للكاتب عزالدين شكرى فى «المصرى اليوم» بعنوان «نحن أغبياء لا خونة»، والآخر للأستاذ عبدالعظيم حماد بعنوان «كم من المؤامرة وكم من المغامرة؟» فى جريدة «الشروق».. لفت نظرى ذلك التوارد فى المعانى بين المقالين.. ولأن القضية جادة أكثر مما ينبغى فقد بدا لى أن أقدم عدة تفسيرات لمحطات مهمة فى تاريخنا كعرب وكمصريين، وأن أطلب من الأستاذين الكبيرين وممن ينفى فكرة المؤامرة من الأساس أن يشاركنى الاختيار من بين الأقواس، وأن نحل معاً الفوازير التالية:
أولاً: يقاتل الجيش المصرى فى سيناء حالياً ضمن العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، عدداً من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، ويعثر أثناء المداهمات على أحدث وأغلى أنواع الأسلحة الحديثة، ويتم القبض على إرهابيين من جنسيات غير مصرية، ويتم العثور أيضاً على ملايين الدولارات.. فما هو تفسير ما يحدث فى سيناء، ومن أين يأتى الإرهابيون بكل هذه الأسلحة؟
1- نوع من أنواع التسلية وقضاء أوقات الفراغ.
2- قام الإرهابيون بشراء هذه الأسلحة من مصروفهم.
3- هناك دول تتآمر ضد مصر لشغلها بنفسها وتمد هؤلاء الإرهابيين بالسلاح والأموال والمعلومات.
ثانياً: فى ١٨٠٥ تولى محمد على حكم مصر، أسس لنهضة صناعية وزراعية، وأرسل البعوث التعليمية، تعاون مع الخبراء ورؤوس الأموال الغربية وأسس أول جيش وطنى مصرى، هزم السلطان العثمانى فى قونية، وكان قائد جيشه وابنه إبراهيم من أوائل من وعوا لفكرة القومية العربية، وقال «سأقف حيث يقف اللسان العربى» أى إن جيوشه ستتوقف عن التقدم عندما تصل لأقصى حدود سوريا مع تركيا، عقدت الدول الأوروبية مؤتمر لندن ١٨٤٠ واتخذت عدة قرارات أهمها إجبار محمد على علَى تخفيض عدد الجيش، وتقويض تجربة النهضة المصرية.. فهل كان ذلك:
1- نوعاً من المزاح مع محمد على؟
2- تعبيراً عن تفاهة محمد على وعدم تأثيره فى الإقليم والعالم؟
3- مؤامرة ضد محمد على؟
ثالثاً: فى ١٩٥٤ رفض جمال عبدالناصر قبول رشوة ٣ ملايين دولار أرسلتها له المخابرات الأمريكية وأسس بها برج القاهرة، خالف عبدالناصر توقعات أمريكا التى قالت إنه سيقود انقلاباً عسكرياً لحسابها، وقاد تجربة تنمية حقيقية وحققت الخطة الخمسية من ١٩٦١ حتى ١٩٦٦ أعلى معدل تنمية فى العالم، بحسب بيانات البنك الدولى، وإلى جانب هذا فقد ناصب «عبدالناصر» إسرائيل العداء بشكل سافر وارتكب عدة أخطاء بالطبع.. وحدثت النكسة ثم مات «عبدالناصر» وهو فى الثانية والخمسين، فما هو موقف أمريكا من نظام عبدالناصر؟
1- ساعدته كنظام يقوم بتنمية شعبه وأزالت أى عقبات من طريقه.
2- لم تكن مكترثة به وكانت تقف على الحياد بينه وبين إسرائيل.
3- كانت منحازة لإسرائيل وتسلحها بأحدث الأسلحة والمعونات.
رابعاً: فى ١٩٧٨ تولى صدام حسين حكم العراق، كان ديكتاتوراً بكل تأكيد، لكنه أسس لنهضة عراقية، كان الجيش العراقى سادس قوة عسكرية فى العالم، وكان للعراق موقف معلن ضد إسرائيل.. غزا صدام الكويت.. خرج منها بعد شهور ولكن ظل العراق تحت الحصار لمدة ثلاثة عشر عاماً ولم يسقط، بعدها أعلنت إدارة الرئيس بوش وجود أدلة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وتقرر غزو العراق.. مات مليون عراقى وتم إنفاق مليارات الدولارات، وتمت سرقة الآثار العراقية.. وبعد سنوات قالت الإدارة الأمريكية إن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل.. فهل ما قامت به أمريكا تجاه العراق:
1- نوع من المزاح مع العراق؟
2- نشاط روتينى تقوم به كل فترة؟
3- مؤامرة ضد بلد عربى قوى يناصب إسرائيل العداء؟
خامساً: فى عام ٢٠١١ قامت ثورات الربيع العربى فى الدول العربية التى تملك جيوشاً قوية، وتشكل إما بتدريبها أو بتسليحها خطراً على إسرائيل، ولم تمتد ثورات الربيع العربى لأى دولة ملكية وراثية، أو أى دولة لا تملك جيشاً يشكل خطراً على إسرائيل فهل هذه:
1- مجرد صدفة؟
2- الدول الأخرى ليس فيها أى شىء يستدعى اعتراض أهلها على الإطلاق وهى دول ديمقراطية تماماً؟
3- لأن جزءاً مما حدث كان مؤامرة على الأنظمة التى ورثت الثورات العربية فى مصر وليبيا وسوريا واليمن.
(وللحديث بقية)