«إمبراطورية الخيل».. رحلة صعود وسقوط من المماليك إلى الأسرة العلوية
الخيول العربية من أفضل خيول العالم
مرت تربية الخيول والاعتناء بها فى مصر بمراحل تميّز بعضها بالقوة وبعضها الآخر بالضعف كما يقول الدكتور يسرى رضوان، أستاذ طب الحيوان بجامعة القاهرة سابقاً، رئيس «جمعية أصالة لتنمية الخيول العربية»، وعضو المنظمة العالمية للخيول العربية (WAHO) الذى يرى أن الخيل المصرى العربى الأصيل من أهم وأجمل وأقوى الخيول على مستوى العالم. وعن بداية نشأة الخيول فى الجزيرة العربية عامة ومصر خاصة، يقول «رضوان»: هناك عدة روايات عن نشأة الخيل، منها أن أصل الخيول العربية من الحصان «زاد الراكب» وأنه من بقية جياد سليمان عليه السلام، وهناك رواية أخرى أن 5 خيول فرّت إلى الجزيرة العربية بعد انهيار سد مأرب وأن 5 من الأعراب شاهدوها، فقرر كل واحد منهم أن يأخذ حصاناً وراقبوا الخيول، خاصة عند توجهها إلى أماكن تجمُّع المياه للارتواء ونصبوا لها فخاخاً واحتجزوها بها وظلوا يترددون عليها لكى تألفهم، وبعد ذلك أخذ كل منهم حصاناً، وأثناء التوجه إلى مقر إقامتهم نفد ما لديهم من طعام وقرروا ذبح حصان واتفقوا على أن يتم تنظيم سباق ومن يخسر يتم ذبح حصانه، إلا أن صاحب الحصان الخاسر رفض ذبحه وطلب تنظيم سباق آخر فخسر حصان آخر ورفض صاحبه ذبحه، وانتهى الأمر «دون ذبح أى منها».
وأشار إلى أنه تمت تسمية الخيول الخمسة على النحو التالى: «الصقلاوية لصقل شعرها، والثانية أم عرقوب، والثالثة شويمة لوجود وشم بها، والرابعة كحيلة لوجود كحل فى عينيها، والخامسة العبيان نظراً لسقوط عباءة صاحبها عليها أثناء السباق وظلت ترفعها على ذيلها طول السباق دون أن تقع، والعبيان هى الأغلى والأقوى». وأضاف: «هناك العديد من الدلائل على وجود الخيول فى مصر منذ عهد الفراعنة، ومنها الرسومات التى وُجدت على الجداريات المختلفة، كما يقال إن قبيلة الطحاوية هم من أدخلوا الخيول إلى مصر، إلا أنهم لم يستطيعوا إثبات ذلك رسمياً بشكل قطعى حتى الآن».
وأضاف: «فى القرن الثالث عشر الميلادى بدأ حكام وأمراء مصر يهتمون بتربية الخيول، ومنهم الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان يدفع فيها أثماناً باهظة، ويقوم على خدمتها وتوليدها بنفسه ويعقد مسابقات بين خيوله وخيول الأمراء كل عام. وتابع: استمر الحال على ذلك فترة من الزمان، ثم بدأ الاهتمام بشئون الخيل يقل شيئاً فشيئاً حتى كادت تنقرض لولا السلطان برقوق عام 1400 ميلادية واقتنى 7 آلاف رأس من الخيل، واستمرت هذه العناية ترتفع وتنخفض تبعاً لاختلاف رغبات ولاة الأمور فى تربية الخيول.
«ابن قلاوون» كان يشتريها بأثمان باهظة ويقوم على خدمتها وتوليدها بنفسه.. ومحمد على باشا اهتم بتربيتها.. و«عباس الأول» كان يفاخر الأوروبيين بها
وأردف: «عهد محمد على باشا الكبير شهد طفرة كبيرة فى الاهتمام بالخيول، وسار على نهجه ابنه إبراهيم باشا والأمير طوسون، إلا أن تلك الخيول تعرضت للإهمال والحرمان والأمراض، ووصل الأمر إلى حد العطش سنين متعاقبة حتى تلاشت تقريباً، ثم جاء عباس باشا الأول وعمل على إنقاذ الخيل وأنفق نحو المليون جنيه على بناء إسطبلات الدار البيضاء فى الصحراء فى طريق السويس واقتناء النوق لإعطاء ألبانها للأمهار واشترى أعداداً كبيرة من الخيول من شبه الجزيرة العربية».
وتابع: تم بناء محطة الزهراء للعناية بالخيول آنذاك، وكان «عباس» يفاخر الأوروبيين بالخيول ويقول لهم: «لا تظنوا أن الخيول المولودة عندكم عربية لأن الحصان العربى لا يحتفظ بجميع أوصافه ومميزاته التى اتصف بها إلا إذا كان يشم هواء الصحراء». وعندما توفى عباس الأول فى 1859 ورث هذه التركة ولده إلهامى باشا، إلا أنه انصرف عنها، وفى عام 1861 باع نحو المائتى رأس من صفوة الخيل بأبخس الأثمان ذهبت كلها إلى الخارج.
ويكمل: «كان من حسن الحظ أن ابتاع أكثرها على باشا شريف ورباها تربية حسنة، لكن الأمراض، وبخاصة (الطاعون)، اجتاحتها مرتين، ولم يبقَ منها إلا القليل، وفى عام 1879 استحوذت الليدى بلانت على مجموعة من أحسن خيول على باشا شريف، ولما توفى (شريف) بيع باقى الخيول، أو على الأصح كل الخيول، بالمزاد العلنى، فاشترى صفوتها (آل بلانت)، وأرسلوا أحسن ما اشتروه إلى إنجلترا، وربوا الباقى فى إسطبلات الشيخ عبيد فى عين شمس حتى وفاة الليدى بلانت عام 1917، ثم ورث أحفاد عباس باشا الأول حبه للخيل وظلوا يعتنون بتربيتها وأنفقوا عليها أموالاً طائلة، وتزامن هذا مع اهتمام عدد من الأثرياء بالخيل واقتنائها، بخلاف القبائل التى تمسكت بما لديها من خيول أصيلة، وتوالت بعد ذلك زيادة الاهتمام بالخيل تارة وتراجعه تارة أخرى حتى وقتنا هذا».