ما يحدث من مُلاسنات بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب الجاسوس المزدوج الذى كان يعيش فى لندن وطرد الدبلوماسيين الروس ثم رد موسكو بطرد دبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين من قبيل المعاملة بالمثل يؤكد أننا نعيش أجواء حرب باردة بين الدولتين تجددت بسبب هذا العميل المزدوج، فهذه الحرب هى حرب بالوكالة. وما تصريح «تيريزا ماى»، رئيسة الحكومة البريطانية، الذى أشعل هذه النيران، إلا بداية صغيرة لكرة الثلج التى بدأت تتدحرج ووصلت إلى ما وصلت إليه من طرد دبلوماسيين روس فى أوروبا الغربية، ناهيك عن كندا وأستراليا، وهما من الدول التى تسير معصوبة العينين وراء أمريكا.
أياً كان الأمر، لم تكن البدايات من الرئيس ترامب الذى يُقال إنه يحتفظ بحق الرد على روسيا ولم يرَ مبرراً لطرد دبلوماسييه من موسكو وإغلاق القنصلية الأمريكية فى سان بطرسبرغ. والحق أن الرجل كان يؤسس فى البداية لعلاقات تعاون وشراكة مع روسيا، وكان يود أن يُنهى حالة الاحتقان والعداء مع روسيا، وأن يعم الأمن والاستقرار فى العالم، كما كان يود أن تكون علاقته بسوريا هى التعاون للقضاء على الإرهاب!!
لكن ما حدث هو العكس تماماً، فكأن الرئيس ترامب يسير على خطى سلفه تماماً، فحالة العداء مع روسيا لا تزال مستمرة، وكذلك تورطه فى حرب سوريا لا يحتاج إلى دليل.
بكلمة أخرى، إن الرئيس ترامب نسى أن العالم يسير فى سياساته الخارجية على قواعد وأسس من القانون الدولى والمعاملة بالمثل فى النظم السياسية والقنصلية، وما حدث بين الدولتين الكبيرتين يخضع -أو هكذا ينبغى أن يكون- لمثل هذه القواعد، أما نظام العربدة فى النظام الدولى فلقد انتهى زمانه.
الحق أن دول الاتحاد الأوروبى لم تشأ أن تسير مع الجوقة الأمريكية، فلقد حرصت بعض دول الاتحاد على أن تبقى علاقتها بروسيا من منطلق الحفاظ على مصالحها معها، ويجب أن نتذكر أن 128 دولة فى العالم صوتت يوماً ما ضد أمريكا عندما أصر «ترامب» على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأصبح هناك إجماع على أن سلوك المواطن الأمريكى هو سلوك أرعن وكريه.
الحق أن أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا سوف تقود حملة أخرى لفرض حصار اقتصادى على روسيا، لكن لا ننسَ أن هذا السلوك لم يعد يجدى، فروسيا لها علاقات بإيران وبتركيا العضو فى حلف الناتو ولها قاعدة عسكرية فى طرطوس بسوريا وتربطها علاقات طيبة بمصر سياسياً وسياحياً، وأطلت على المياه الدافئة فى الشرق الأوسط وليس فى نيتها العودة للانكماش كما كانت.
والحديث فى أمريكا على إجبار روسيا على الانسحاب من سوريا وفتح ملف تورطها فى دعم «ترامب» فى الانتخابات هو حديث إفك لا طائل من ورائه.
باختصار، هى حرب ملبّدة بعيون باردة بين واشنطن وموسكو، لكن عبّرت عنها «تيريزا ماى» التى يبدو أنها لا تختلف عن «تونى بلير» الذى كان يسير كلباً وفياً وراء بوش الابن!!