كن طيباً معيناً
بين فكى رحى هذه الحياة تقع حياتنا وأيامنا، أيام تمر وتمضى آخذة من أعمارنا وأحلامنا وطاقاتنا الكثير، لكنها تعطينا بالمقابل الحكمة والدرس الكبير، تعلمنا فرز الأشخاص وتصنيفهم وتحديد حقيقة علاقاتنا بهم، تعلمنا مراجعة المواقف والآراء والقناعات!
محن تمر وامتحانات صعبة تزلزل حياتنا واستقرار عقولنا وثبات مبادئنا، بشر تسقط وبشر تعلو، أصدقاء ينفضون من حولنا، وآخرون يكفكفون الدمع، والبعض يقف متفرجاً عجزاً أو بغضاً.
لكل شىء سبب وعبرة ورسالة ومعنى، الموت والحياة والمرض والحوادث والأفراح والأتراح، لكل شىء غاية ومآل ونهاية، المهم أن يستخلص عقلك وتمتص روحك الحكمة فيما وراء الأحداث والمواقف وأن تعى ما فات لتحسن التصرف فيما هو آتٍ.
مفيد أيضاً تأمل أحوال الآخرين والتركيز مع الضعفاء والمنكوبين ومد يد المساعدة لهم لاجتياز حاضرهم الصعب أو ظرفهم المؤلم، لماذا ينشغل الناس بالخير لأنفسهم دون طلبه للآخرين؟ بل لماذا لا يراقبون أحوال غيرهم إلا كى يعدوا عليهم الأنفاس أو لحسدهم والحقد عليهم؟! لماذا لا يراقبونهم مثلاً إشفاقاً على أحوالهم أو تأثراً أو تعاطفاً أو فرحاً لخير يصيبهم؟!
فلان مات، فلان تزوج، وهذه سافرت، وتلك انتحرت، ويستمر البشر فى المراقبة دون تفاعل إنسانى أو نجدة أو لهفة، أصبحنا ماكينات تقلب الأخبار على الهاتف النقال بالسبابة وفقط! أصبحنا آلات تحمل آلات، قساة القلوب غلاظ الأفئدة، ولا تجد الرحمة مكاناً وسط الأدران المتراكمة.
الشر يمرح ويسرح فى كثير من الأدمغة التى بالكره دامغة، الأخلاق غادرت كثيراً من الناس دون أسفٍ عليها، الإخلاص والوفاء والتعاضد والمؤازرة والمحبة أصبحت كلمات يحل محلها التنمر والخيانة والغدر والحسد والتشنيع والكذب.
مفيد جداً تأمل التاريخ والماضى، والحذر من الغد والحاضر، كم بشراً مر بهذه الأرض، لكن من منهم ترك أثراً؟ ومن منهم لُعن، ومن استطاع كتابة اسمه بماء الذهب وإن مرت القرون والسنون؟!
أنت تصنع بطيبتك ذكراك العطرة الطيبة، تصنع سيرتك بين الناس ومكانتك بقلوبهم (الناس الأسوياء بالطبع، إذ إن الحاقد والكاره لن يرضى عنك وإن رآك تذوب أمامه).
كل النهايات تقول إنه لا يصح إلا الصحيح، ولا ينجو إلا الصادقون الخيرون، وإن الخير غالب، وإن أصحاب القلوب الطيبة فى مأمن إلى آخر الزمان وحفظ من الرحمن، وإن الشر والمكر لا يضران إلا أصحابهما، فإن لم تستطع أن تساعد فلا تعرقل ولا تعطل ولا تضر الناس، يكفى الجميع ما به وما يدور بفلكه، إن لم تكن إيجابياً هماماً على الأقل تمنَّ الخير بقلبك، واشعر بالأسى على أحزان الآخرين واحمد الله أن عافاك من أحزانهم ومصاعب مرت بهم (كن طيباً معيناً، تطيب لك وبك الدنيا).