قد يكون عنوان المقال قاسياً، ولكنه مقصود حتى يكون جرس إنذار، وأتمنى أن يقرأه الرئيس السيسى وكذلك وزراء الإسكان والاستثمار والصناعة وهيئة الرقابة الإدارية، لأنهم يبذلون جهوداً كبيرة لتهيئة مناخ الاستثمار وجذب صناع ومستثمرين جدد، ولكن للأسف بعض القيادات وصغار الموظفين يُفشلون هذه الجهود.
حينما تكون دولة لديها عجز 80% من الصناعات الجلدية (الأحذية - الشنط - الجواكت وغيرها) وتستوردها بمليارات الدولارات، ثم يفكر بعض المستثمرين الوطنيين فى إنشاء مجموعة مصانع بمدينة العاشر من رمضان، وحصلوا على الأرض عام 2009، ورغم الظروف السياسية التى شهدتها البلاد كانوا يسابقون الزمن لإنهاء المشروع، وبالفعل انتهوا من بناء مركز تدريب العمالة بتكلفة 2 مليون جنيه، كما أنجزوا 70% من المصانع وعقدوا اتفاقيات مع إيطاليا وهى الدولة الأشهر فى الصناعات الجلدية، ووسط فرحتهم بتخريج الدفعة الأولى من مركز التدريب وبداية تشغيل المصانع يُفاجأون بسحب الأرض لعدم سداد القسط الأخير وقيمته 7 ملايين جنيه، ومنذ شهرين وأصحاب المشروع حياتهم جحيم، أحدهم قال لى: «المشروع الصناعى يحتاج دعم الدولة، وإحنا اتحطمنا خلال الشهور الماضية من هيئه التنمية الصناعية لجهاز العاشر، لو أننا ننشئ كافيهات لن نتعرض لما تعرضنا له، ولكننا مجموعة من كبار صناع الجلود، ونأمل تصنيع خاماتنا وعمل وضع جيد للمهنة وتحقيق الاكتفاء الذاتى لبلدنا من سلعة استراتيجية لدينا فيها عجز شديد، لا تتصور سعادة الموظفين وهم يهددوننا بسحب الأرض وإلغاء المشروع، وكأننا لصوص أو أعداؤهم، ولولا تدخل البنك الأهلى وسداد قيمة القسط، لتعرض المشروع للدمار وبيوتنا للخراب».
الرسالة فيها تفاصيل كثيرة ومريرة، ولكن هل يرضى سيادة الرئيس والسادة الوزراء بهذه المعاملة لمستثمرين اختاروا الطريق الصعب وهو الصناعة والإنتاج؟ وكان يمكنهم استثمار أموالهم فى الاستيراد ويحققون أرباحاً طائلة دون معاناة؟ هل هى مؤامرة على الصناعة الوطنية لصالح مافيا الاستيراد؟ أم أنها عقول الموظفين العقيمة؟
المشكلة الحقيقية فى هذا المشروع وأى مشروع هى الأرض التى أصبحت سلعة للبيع والتجارة، لا أتصور أن مشروعاً يتكون من 113 مصنعاً ويحقق الاكتفاء الذاتى من سلعة استراتيجية ويوفر 5000 فرصة عمل ومليارات الدولارات يمكن تدميره بسبب عدم سداد بضعة جنيهات هل هذا معقول؟
مستثمر آخر إنتاج مصانعه يغزو الأسواق الأوروبية، ويعمل لديه 25 ألف موظف، يقول إن الجهاز الإدارى يعامله باحتقار ولديه مشكلات تساوى عدد العاملين معه، وإنه يحاول استخراج رخصة مبانٍ منذ 18 شهراً ويفشل، مستثمر ثالث أقام جامعة مفخرة فى منطقة الدلتا وفرت آلاف فرص العمل والتعلم، ويومياً يتعرض لمضايقات من محافظ الإقليم، مستثمر إماراتى يقول إنه اشترى أرضاً بعقد أخضر مسجل فى الشهر العقارى، ومنذ 11 عاماً وهو كعب داير بين الوزارات والمصالح الحكومية للحصول على موافقة للبدء فى مشروعه، ووصل لمرحلة اليأس من الاستثمار فى مصر، هذه الوقائع وغيرها كثيرة وفيها تفاصيل مؤلمة، أتمنى من المسئولين لقاء أصحابها، ربما يكونون على حق أو العكس، وقد تكون المشكلة فى الموظفين أو القوانين الفاسدة، ومؤكد هناك حلول تمنع حدوث هذه المشكلات مستقبلاً. المستثمرون الجادون حالياً عملة نادرة ويجب حملهم على الرؤوس والأعناق، لأنهم فدائيون مثل أبطالنا فى الجيش والشرطة، كما أن معوّقى الاستثمار مثل الإرهابيين لا يريدون لنا التنمية والاستقرار، والرئيس السيسى نفسه فى أكثر من مناسبة أكد أن الجهاز الإدارى عائق أمام التنمية، ولذلك أتمنى أن تكون مراكز خدمة المستثمرين التى افتتحها الرئيس مؤخراً طوق النجاة فى إنقاذ سمعة مصر من فساد الموظفين الذين لا يشعرون بالمسئولية ولا بالمرحلة الحرجة التى تعيشها البلاد.