قبل ساعات من الهجوم العسكرى الأمريكى الوشيك على سوريا، صدر عن «الكرملين» الروسى بيان حذر فيه من أية تحركات عسكرية غربية (أمريكية/ إنجليزية/ فرنسية) ضد روسيا، وأن الصواريخ التى تهدد أمريكا بقصف سوريا بها يجب أن تتوجه إلى الإرهابيين وليس إلى قوات الشرعية السورية، وأن روسيا سوف تتصدى لأى هجوم أمريكى متوقع. من جانبه، غرّد «ترامب» رداً على هذا الكلام، وقال إن أمريكا ستوجه إلى سوريا صواريخ جديدة وذكية، وإن العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا حالياً غدت أشد توتراً مما كانت عليه أيام الحرب الباردة.
بالنسبة للعرب لا تسمع لهم صوتاً. المواجهة الآن فى سوريا أصبحت بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا التى تدافع عن بشار ونظامه، والضحية فى الحالتين هو الشعب السورى، أو من تبقى منه فوق الأراضى السورية. حكام الخليج دفعوا فاتورة الصواريخ الأمريكية التى سوف توجه إلى سوريا، فترامب قالها صريحة: «على من يريد للقوات الأمريكية أن تتحرك فى سوريا دفع فاتورة التكلفة». وقد هرول إليه الخلايجة ودفعوا، خصوصاً من يريدون إسقاط نظام حكم بشار، ليس دفاعاً عن الشعب السورى، بل نكاية فى إيران التى تقف بقضّها وقضيضها وراء النظام العلوى السورى، ومن يوم إلى آخر تمطر سماء المملكة العربية السعودية بالصواريخ الباليستية عن طريق الحوثيين فى اليمن.
العرب لم يعد لهم مكان ولا قرار فوق أرض العرب. والحدوتة الآن تدار بين الولايات المتحدة وروسيا. أمريكا فازت بالمال. وروسيا حصدت النفوذ والأرض والمياه الدافئة عبر سوريا. بوتين -شأنه شأن ترامب- لا يهمه الشعب السورى فى شىء، ولا يعنيه أن يكون بشار ديمقراطياً أو ديكتاتوراً مع شعبه، ولا أن يحميه أو يقتل أفراده. كل ما يهمه هو القواعد العسكرية التى شيدها فوق الأرض السورية، بالإضافة إلى التوغل إلى حيث المياه الدافئة بعيداً عن جليد وصقيع روسيا. و«بشار» من ناحيته لا يمانع أن تأخذ روسيا ما تريد مقابل الدفاع عن عرشه، حتى ولو تم ذلك على يد أجنبى يرتع فوق أرضه، لا يجد غضاضة فى الحديث الرسمى باسم الدولة السورية. الحكم أهم من وجهة نظر «بشار» من أى شىء، بما فى ذلك شعبه، فرصاصات الجيش السورى وبراميله المتفجرة وأسلحته المختلفة لا تفرق بين إرهابى تدعمه هذه الدولة أو تلك، ومواطن أراد أن يعيش آمناً مطمئناً متمتعاً بما يتمتع به غيره من البشر من حقوق.
سوف يقرر الطرفان الروسى والأمريكى مصير سوريا، بعيداً عن بشار وكذلك عن الشعب السورى، وأغلب الظن أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت التخلص من «بشار»، وقد تكفل الخليج، كما ذكرت، بدفع التكلفة، لكن ذلك لا يعنى أنها سوف تفرض إرادتها كاملة على سوريا، لأن الطرف الروسى لن يقف مكتوف اليدين، وفى أقل تقدير سوف يحرص على الاحتفاظ بالمكاسب التى حققها على الأرض. وربما لا تواجه القوات الروسية فى سوريا صواريخ الولايات المتحدة، كما يؤكد الكرملين، فواقع الحال يقول إن روسيا أخذت نصيبها، والدور الآن على أمريكا.. ولا عزاء لأمة العرب.