التراحم
التراحم هو الإشفاق والمحبة والحنو، الذى يعترى القلوب المتمتعة بها، فتدفئها وتثرى بها الكون ومفرداته، كتبها الله تعالى على نفسه وأمرنا بها، أنزلها فى قلوب عباده بدرجات، وللأسف خلت بعض القلوب منها تماماً، فاستحالوا وحوشاً فى ثوب بشر.
الرحمة من أكثر الصفات التى ذُكرت بالكتب السماوية وكتب الأخلاق، هى ذاك الشعور النبيل الذى يتحول إلى أفعال أنبل وأنفع للبشرية وللكون، هى نعمة لمن امتلكها وغنى لا حدود له.
الرحمة أساسها ومصدرها خالق الكون وصانعه (الله عز وجل)، تقدست أسماؤه، فكانت من بين صفاته الحسنى الوحيدة، التى ذُكرت بصيغتين (الرحمن، الرحيم)، وقد فسر علماء الدين واللغة الفرق بين اللفظين الجليلين بأن الأول بمعنى الشمولية التى تسع كل شىء، والثانى يخص الرحمة بالمؤمنين يوم القيامة، غير أننى أستشعر معنى آخر، وهو أن الرحمن تعنى صفة الرحمة بكل أنواعها وأشكالها، وأجد لفظ الرحيم لتأكيد المعنى وديمومته وتأصيله ومبالغة معناه، أى إن رحمته سبحانه مطلقة دائمة أصيلة وقديمة ومستقبلية أيضاً. وبكلا المعنيين هى رحمة الله وعظمتها.
الرحمة هى العاطفة والحب المنطلق الدفق، الذى يشع باتجاه كل شىء: بشر، أو حيوان أو طير أو حتى جماد، الرحمة تجعلك ترى الجمال دائماً وتركز عليه، تجعلك تلتمس الأعذار وتتجاوز عن الكثير، الرحمة تجعلك إنساناً حقيقياً، تجعلك متحضراً، راقياً، منتجاً، نافعاً. الرحمة ترسم على الوجه طيبة، وفى العين محبة، وفى اليد حنواً وعطاء.
الرحمة إن اتصف بها الطبيب زانت عمله وأكملت ما يعجز عنه الطب والعلاج، بطاقة إيجابية مثلى، وإن اتسم بها المعلم كانت كمداد من عطر مع مدادات الأحبار والأقلام، وجعلت من منابر العلم وفصوله أحب الأماكن لطلابه، فيزداد الإقبال على التعلم والتفوق ويسهل كل صعب وعسير. الرحمة إن اتصف بها السياسى والقائد والمسئول جعلت منه أيقونة بالقلوب، وانعكست على شعبه رخاء وعطاء وسعادة، الرحمة إن كانت فى قلب الصانع أتقن صنعته وحرفته، فجلبت له الخير الكثير، الرحمة إن كانت فى قلب سائق مركبة ما أضر الناس مشاة أو سيارات وما ضايقهم، وإن كانت بقلب موظف حكومى ما تعنت وعطل الناس وأهدر وقتهم وأعصابهم، الرحمة إن كانت برجل الدين، فإنه يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فيزداد عن طريقه عدد العباد الطائعين الصالحين.
الرحمة إن كانت بين أفراد الأسرة ما ظلم رجل امرأته أو قهرها، ولا استباح عمرها وشقاءها وتفانيها، وما تمردت زوجة على شريكها أو أرهقته طغياناً وعنداً وما عقّ ولد أبويه ولا تبرأ آباء من مسئولية فلذات أكبادهم.
لو وجدت الرحمة بالقلوب، ما عُذب حيوان أو مُثّل به، وما اغتصبت أوطان، وشرد أهلها، وما قامت حروب تبيد أقواماً، لو وجدت الرحمة بالقلوب ما ذبح البشر وسُبيت النساء واغتصبت بدعوى نشر دين الرحمة!!!! والرحمة والدين منهم براء.
لو وجدت الرحمة بالقلوب، لقبل الإنسان الآخر دون غِل أو حقد، لو وجدت الرحمة بالقلوب ما كانت عجرفة ذى مال أحمق، أو حقد طامع أحمق منه، وما بخل غنىّ على محتاج، ولا أضمر فقير شراً لصاحب مال!!
لو كانت الرحمة بالقلوب لانتشر الخير وعمت المحبة والسلام واتسعت الأرض للجميع، عوّدوا أطفالكم على رقة القلب وتعاطى الرحمة والتعامل بها، علموهم لين الجانب والابتسام بوجه الآخرين والتأدب معهم، علموهم الإشفاق والإنفاق والتواصل، علموهم الرحمة ليكونوا عظاماً.