«العدوان الثلاثى» على «سوريا» لم يبدأ بالضربة الجوية الأخيرة، لقد بدأ حين تمزقت «الخريطة العربية»، تلك التى تجتمع أشلاؤها فى «الدمام».. وكل من يتحدث عن حروب ومجاعات ونازحين بالملايين من الدول العربية الخربة، كل من يتوهم أن «الإرهاب» قد تم زرعه فى أوطاننا لتنفيذ «خريطة حدود الدم» التى صيغت فى «البنتاجون» لتقسيم العالم العربى إلى دويلات «عرقية ودينية»، يهرب من الوصف الدقيق للمأساة: «نحن من صنعنا أعداءنا وموّلناهم بالصواريخ التى ضربت سوريا»!
نعم، لقد موّل الخليج بأكمله «حرب تحرير الكويت» لتسقط بعدها «بغداد» فى مارس 2003 فى قبضة «المارينز»، وتنصب أمريكا من نفسها «شرطى العالم» ونحن عاجزون، رغم أن تحرير «الكويت» من قبضة «صدام» تم بدماء جنودنا العرب، ودخول «صدام» الكويت تم بمؤامرة أمريكية.. لكننا انحنينا ورضخنا للإرادة الأمريكية.
من هنا بدأت الخريطة العربية تتغير: «قطر قاعدة عسكرية أمريكية»، والعراق (توليفة كردية- شيعية- سنية).. واستمر مسلسل تغييبنا وتخديرنا، بل إرهابنا بالعصا الأمريكية الغليظة، ونحن نقدم المزيد من التنازلات، وحكامنا يحطمون المقياس العالمى للاستبداد، فكانت التربة جاهزة: شعوب ثائرة على حكامها «بدأت من تونس»، وحكام بعضهم فاسد والآخر مستبد، وأمريكا تهدم العالم على رؤوسنا بحثاً عن «بن لادن» وتملأ الميديا الغربية بمشاهد «نعوش المارينز» وهى تسحب قواتها من «العراق» بينما تنمّى قواعد الإرهاب وتربّى «داعش»، وتتحالف مع «الإخوان» وتيار الإسلام السياسى، ليس لأنه البديل الجاهز للحكم كما روّجوا، بل لأنه «الحليف الجاهز للخيانة»!
سقط البيت العربى من داخله، ونحن ما زلنا نحترف «الدمار والموت»، للسعودية تحالفات مع «الإخوان» ممن انقلبوا على «بشار الأسد»، ولها ثأر مع الشيعة «الحوثيين» فى «اليمن»، فكان المطلوب أن تتصالح مصر مع «الإخوان» استجابة لرغبة المملكة التى تعتمد على «الإخوان» فى حربها ضد شيعة اليمن.. وهنا وقفنا واعترضنا!.
و«قطر» خانت العرب جميعاً، ولم يتبقَّ إلا «قناة سلوى» لتنشقّ جغرافياً وتصبح جزيرة معزولة جغرافياً عما كان يسمى «الوطن العربى»!.
«الإمارات» فى صعود، ليس لأنها دولة ثرية فحسب، بل لأنها قررت من البداية أن تكفل لمواطنيها «حرية العقيدة»، وأن تتجاور مساجد الشيعة والسنة، وأدركت أن «الإخوان» عصابة إرهابية، فنجت بشعبها وقررت أن تساعد جيرانها.. لها «جزر ضائعة»، احتلتها «إيران» عام 1971، وإيران هى «العدو» الذى توحد العرب ضده واستبدلوه بالكيان الصهيونى الذى يمارس إبادة عرقية فى «فلسطين»، تلك التى يتحدثون عنها -حالياً- فى القمة العربية، بعدما موّلوا اقتصاد «ترامب» بالمليارات من أجل تبديل أقنعة «العدو»!
فى «البحرين» مناوشات «مذهبية»، و«ليبيا» تحكمها ميليشيات إرهابية، عادت بها إلى عصر الجاهلية، قبائل تسيطر على آبار النفط، و«داعش» تتاجر فى «السبايا» وتبيع آثار الحضارة الليبية فى «إيطاليا وغيرها»، تماماً كما تمت سرقة وبيع الحضارة العراقية، بينما تحطمت حضارة اليمن!
«سوريا» تعرضت لعدوان ثلاثى (أمريكا، إنجلترا، فرنسا)، بزعم ضرب «بشار الأسد» لشعبه بأسلحة كيميائية، وهى نفس المزاعم التى دمروا بها «العراق»، فى أبشع تحدٍّ لكل المواثيق الدولية والهيئات الكرتونية (مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن).. كلنا شركاء فى هذه الجريمة البشعة. لقد رأينا بأعيننا على «السوشيال ميديا» فيديو يصور الأطفال وهم يتدربون على «تمثيلية» ضرب «بشار» لهم بالغاز، لكننا لا نملك حتى إرادة التصدى للتحالف الهمجى لضرب سوريا.
سوريا ممزقة بين الاحتلال الإسرائيلى لهضبة الجولان، والاحتلال التركى لشمالها، وأمريكا تريد أن تنهى النزاع «العربى- الإسرائيلى» بطريقتها: أن تخلى المنطقة من الجيوش العربية، أجهزت على جيش العراق، وجار تفكيك جيش «الدولة السورية». أما الجيش المصرى فهو «الرقم الصعب» فى المعادلة، ويكفى حالياً إنهاكه بالحرب على الإرهاب، ومحاصرة حدوده بالدم والنار!
لقد ضربت مجرد أمثلة، ربما ندرك حجم جريمتنا، نحن من يسدد ثمن الأسلحة التى ضُرب بها الشعب السورى، ونحن من مزّقنا خريطتنا بأيدينا، ونحن من حوّلنا «الأشقاء» إلى «أعداء».. إنهم هناك يتصافحون فى «الدمام»، ولا أعتقد أن بينهم من يشعر بالعار أو بالذنب!.