لم أكن من الجيل الذى بدأ القراءة مع أحمد خالد توفيق، لقد بدأت مع الشياطين الـ١٣ والمغامرون الخمسة والمغامرون الثلاثة وأرسين لوبين ثم ظهر نبيل فاروق، وكان له تأثير بالغ فى جيل بأكمله، أنا شخصيًا أدمنت قصصه، البحث عن الأعداد القديمة، تبديل القصص مع أصدقائى، انتظار الأعداد الجديدة على أحرّ من الجمر، إدمان رسمى.
فى صباح أحد الأيام فى طريقى للمدرسة مررت على بائع الجرائد باحثًا على العدد الجديد من رجل المستحيل، للأسف لم ينزل بعد ولكن هناك أسطورة مصاص الدماء والرجل الذئب، ترددت قليلًا ، كاتب جديد، حسنًا لا بأس، ومن يومها ودارت العجلة ولم تقف، تأثير كاسح لكتابات أحمد خالد توفيق فى عدة أجيال، أسلوبه الساخر الذى تأثر بسخرية أحمد رجب ومواضيعه التى لم يتطرق إليها الكثيرون فى الأدب العربى قبله، ثم أراؤه السياسية التى قربته من أجيال جديدة ترفض الواقع المرير وتبحث عن الأمل.
توقفت أثناء الجامعة عن إدمان رجل المستحيل وملف المستقبل بينما استمرت كتابات أحمد خالد توفيق معى للآن، تأثيره يظهر فى تعبيراتنا، تشبيهاتنا، اختياراتنا فى القراءة، هناك تأثير آخر؛ معلوماته شديدة الدقة التى وسعت المجال الإدراكى لهذا الجيل لمجالات بعيدة فتجدهم يعرفون عن بجماليون، جلجاميش، مرض الليشمانيا، اللغة السواحلية، كليمنجارو،.........لا أخفيكم سرًا هناك أمراض نادرة لا نكاد نقابلها فى الشرق الأوسط ورغم أننى قرأت عنها كثيرًا فى الكتب والمراجع أثناء دراستى الطويلة للطب إلا أن كل ذلك يتطاير نتيجة قلة الاستخدام لأننا لا نراها أثناء عملنا فيتبقى فى ذاكرتى فقط ما ذكره علاء عبد العظيم أو رفعت إسماعيل.
هذا بالإضافة إلى أنه غير فكرتنا عن البطولة فالبطل ليس فقط أدهم صبرى ونور الدين محمود، البطل قد يكون شخصًا مثلنا، بضعفنا وأخطائنا وحماقاتنا وعيوبنا، ليس من الضرورى أن تكون كاملًا حتى تحقق ما تريد، هكذا كل أبطاله كانوا.
أحمد خالد توفيق رفض لقب العراب ورفض أن يكون قديسًا أو رمزًا ورفض أن تقارن رواياته بروايات كبار الكتاب ولم يعتبر نفسه أديبًا كبيرًا وهذا ما احترمته فيه.
عندما قرأت ليوسف السباعى لم يعننى هل هو على قيد الحياة أم لا، عندما قرأت لجابرييل جارسيا ماركيز لم أعرف أنه حى يرزق وعندما مات وانتشر الخبر على وسائل التواصل لم أهتم، ما يعنينى هو أعمالهم وأنا لم أقرأ منها إلا القليل إن أردت قراءة المزيد فهى متاحة.
لكن الأمر يختلف مع أحمد خالد توفيق لقد قرأت تقريبًا كل ما كتب، قصص، روايات، مقالات، لم أترك شيئًا للمستقبل، بالتالى لم يعد هناك المزيد.
عزاؤنا هو أثره الذى تركه فى نفوسنا ونفوس الأجيال التى جاءت بعدنا وربما الأجيال التى ستجيء بعدهم، ربما من مات هو علاء عبد العظيم وبرنادت وعبير أما أحمد خالد توفيق نفسه فهو حيّ ربما أكثر من ذى قبل، وبالتأكيد حيّ أكثر من كثير من الأحياء حولنا.