تعالوا ننطلق مما هو متفق عليه، ونردد قول الله تعالى «وَلَا يَظْلِمُ ربُّكَ أحَداً»، ونتأمل المعاناة التى تعيشها شعوبنا العربية فى العراق وسوريا واليمن وليبيا، ونسأل: هل الشعوب مجرد ضحية لظلم الحكام وتداعى قوى البغى من الداخل والخارج عليها؟ أم هى مذنبة ساهمت بطريقة أو بأخرى فى الحالة المتردية التى وصلت إليها؟ عندما تتعرض أية دولة لابتلاء فإن آثاره تظهر أول وأكبر ما تظهر على الكتلة الطافية منها، وهى كتلة الأغلبية الشعبية، فى حين تتمتع الكتلة الغاطسة (كتلة الحكم) بمستوى نسبى من الأمان. على خرائط حياة الشعوب تظهر آثار المحن، متجلية فى موت عشوائى أو فرار أو نزوح جماعى أو ضيق ومعيشة ضنك. من الطبيعى أن يكون هناك تعاطف مع الشعوب ونحن ننظر إلى ما تمر به من محن، ونلعن القوى الظالمة التى تقصف أرضها ودورها، سواء كانوا أمريكيين أو بريطانيين أو فرنسيين أو روسيين أو إيرانيين أو عرباً، لكن علينا لكى نكون موضوعيين ألا نعفى الشعوب من المسئولية، ونغفل عن حقيقة أن أداءها مع من يحكم أمورها يمثل واحدة من المقدمات والأسباب المهمة للمحن التى تصيبها.
الشعب العراقى رضى بالرضوخ لصدام حسين سنين عدداً، وآمن أنه واحد أحد، وأنه «أبو العراقيين»، لم يلتفت إلى محاسبته وهو يقرر الدخول فى حرب على إيران، ثم حرب على الكويت، لم يحاسبه أحد على قهر الشيعة أو الأكراد من أبناء شعبه، وإهدار حرية كل شعبه. الشعب العراقى تركه يعزف منفرداً، ويقرر ما يريد وقتما يريد، جعل العراقيون من «الصدامية» منهج حياة، وتحول كثيرون منهم -وليس كلهم بالطبع- إلى صداميين صغار، صدقوا الأحاديث عن النشامى والأماجد والماجدات، وعاشوا وهماً كبيراً، استيقظوا بعده على كابوس اختفاء الجيش العراقى وسقوط بغداد على يد المحتل الأمريكى الغاصب. بعدها شكلت بعض المجموعات من هذا الجيش أساساً لتكوين تنظيم داعش الذى انخرط فى حرب عقائدية مع الشيعة والسنة والكل كليلة.
انتقل بعد ذلك إلى الشعب السورى، لترى نموذجاً آخر لشعب رضى بأن يرث الولد أباه فى نظام جمهورى، وهلل للابن «بشار» بعد رحيل الأب «حافظ الأسد»، فى سابقة تاريخية كانت مثار عجب كل شعوب الأرض. وعندما اندلعت انتفاضة سوريا ضد حكم «بشار» ضمن موجات الربيع العربى، ارتضى مؤيدو «بشار» بجلب قوات أجنبية روسية وإيرانية ولبنانية للدفاع عن النظام، وارتضى المعارضون بالاستعانة بالمقاتلين والمال والسلاح الأجنبى حين قرروا حمل السلاح ضد «بشار».
كل التعاطف مع الشعبين العراقى والسورى وكل الشعوب الأخرى التى تعانى، لكن وقفة صدق مع النفس سوف تثبت لهما أن عليهما بعض المسئولية عما حاق بهما. كيفما تؤدى تكون النتائج.. والنتائج دائماً من جنس المقدمات.. والجزاء من جنس العمل.. ذلك درس يجب أن نتعلمه جميعاً كعرب، حتى لا نضيع حاضرنا ومستقبلنا فى تكرار الأخطاء نفسها. تأمل تاريخ المنطقة وانظر كيف تتكرر الأحداث والمواقف بنفس الصيغة والصورة، حتى الشجب والإدانات، واللطم والبكائيات تظل هى هى.. وذلك سر حقيقة أنه لا جديد تحت شمس العرب.