كثيرون، منهم دول وإخوان وقوى دولية وبعض محللين إضافة بالقطع إلى معارضين سوريين، ينتقدون مواقف المصريين شعباً وحكومة، الداعمة لسوريا الدولة والمؤسسات والجيش، وذلك باعتبارها مواقف داعمة لرئيس ديكتاتور قتل جزءاً من شعبه وشرد جزءاً آخر، وأن هذا الرئيس تحديداً والمقصود به بشار الأسد، يجب أن يختفى من الصورة تماماً، وفى اللغة الدبلوماسية لا يكون جزءاً من حل الأزمة السورية، لا يكترث هؤلاء بمساندة المصريين لفكرة الدولة فى حد ذاتها وللمؤسسات التى تحمى تلك الدولة، أى دولة، كما لا يكترثون للمبدأ الأساسى الذى يوجه المشاعر والمواقف المصرية، المتمثل فى رفض التدخلات الخارجية والاستقواء بالخارج، واعتبار هذا الاستقواء نوعاً من الخيانة العظمى أو هو التعبير الأعلى للخيانة، ناهيك بالطبع عما هو مغروس فى الذهنية المصرية العامة بأن أمن مصر تاريخياً مرتبط بأمن سوريا، ويدعم ذلك حديثاً الشراكة المصرية السورية فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة، ومن قبل الوحدة المصرية السورية فى العام 1958.
رأينا هذه التقييمات المعوجة والناقدة فى أكثر من موقف سابق، وما حدث فى الأيام الأخيرة يُعد نموذجاً آخر يعيد إعلان نفس الرؤية الفاقدة للبصيرة، مع عدم القدرة على استيعاب الخبرة المصرية الحديثة لا سيما ما بعد 25 يناير 2011، هؤلاء الناقدون العبثيون يقدمون الجانب الآخر والمناقض تماماً للموقف المصرى، إنهم يدعون ويساندون التدخل الأجنبى فى شئون بلادهم، يستقوون بالخارج ضد شعوبهم، يتصورون أن هذا التدخل الخارجى سوف يأتى بهم من غيابات الجب إلى قمة السلطة والنفوذ والثروة، نموذج أحمد الجلبى فى العراق ورغم فشله وفجاجته وعمالته ما زال يداعب مخيلة كثيرين من فاقدى الحس الوطنى، هؤلاء لا يقدمون أى مبررات مقنعة فيما يتعلق بشأن أسانيدهم بمشروعية الاستقواء بالأجنبى ضد بلدانهم وشعوبهم ومقدراتها، فى الآن ذاته لا يقومون بأى مراجعة لمواقفهم المساندة لجماعات مسلحة مرتزقة من جنسيات مختلفة يتم الاستعانة بها لإشعال الصراع داخل أوطانهم وتدمير وتخريب المقدرات الوطنية المفترض أنها ملك للشعب أولاً وأخيراً، وليست ملكاً حصرياً للنظام، ولو أن كل زعيم قاس ومستبد خرج عليه بعض أهل بلده متسلحين بمساندة خارجية من استخبارات وأسلحة ودعاية سوداء وأموال منهوبة وعناصر من المرتزقة من مختلف الجنسيات، لصارت أغلب الدول فى حال احتراب وفوضى، ولضاعت كل مبادئ وأعراف القانون الدولى، ولما أصبح هناك سوى اليسير جداً من الشعوب التى تنعم بحد أدنى من الاستقرار المؤقت.
فى كلمة الرئيس السيسى أمام قمة الظهران كانت مبادئ الوقوف لمساندة الدولة العربية فى سوريا والعراق وليبيا واليمن أكثر من واضحة، الكلمة فى مجملها جسدت القناعات المصرية المبدئية فى أربعة عناصر، أولها أن الدولة العربية فى حد ذاتها وليست هذا النظام أو ذاك هى التى تواجه التحديات الجسام من قبل قوى دولية وإقليمية ويدعمهم بعض العرب للأسف الشديد، بالتالى لا مجال للوقوف على الحياد، فالدولة العربية فى كل مكان أحق بأن تُساند وأن تجد الدعم العربى بلا قيود، العنصر الثانى أن الجماعات المسلحة التى تستخدم الدين لتبرير عملها فى مواجهة مؤسسات الدولة لا يجب التسامح معها بأى حال، مواجهتها إلى آخر مدى هو أمر غير قابل للنقاش.
أما العنصر الثالث فيتعلق بالقوى الإقليمية، وهم ثلاث، وإن لم يذكرهم الرئيس صراحة، أى إيران وتركيا وإسرائيل، كذلك القوى الكبرى، التى تعنى طيفاً واسعاً يشمل أمريكا والغرب عامة، وهم جميعاً يشتركون فى التدخل فى الشئون العربية وإثارة الفوضى بل وإدارة التسويات لحسابهم الخاص وليس لحساب الشعوب العربية، رابعاً وأخيراً أن الحلول المقبولة والدائمة والقابلة للاستمرار هى حلول سلمية وبمشاركة أهل البلاد أنفسهم وبمساندة عربية، وجوهرها حماية الدولة الوطنية وعدم قبول سقوطها لصالح قوى غير وطنية، أما تلك الحلول التى تستند إلى توازنات دولية وإقليمية بعيداً عن مشاركة أهل البلدان العربية أنفسهم فهى بلا فائدة وغير جديرة بالتأييد.
العناصر الأربعة رسالة إلى الجميع بأن الاحتراب الداخلى واختلاط الحابل بالنابل يؤدى إلى نتيجة واحدة وهى خسارة الكل، نشير هنا إلى ما قاله الرئيس بشار الأسد بأن بلاده بحاجة إلى 400 مليار دولار لمجرد إعادة الاقتصاد السورى إلى وضع الانتعاش، بما فى ذلك إعادة بناء الجزء الأكبر مما تم تدميره بفعل الحرب طوال السنوات الست الماضية، هذا على الصعيد المادى الذى يمكن احتسابه بالورقة والقلم، أما الجزء الآخر المعنوى المتعلق بعلاقات الفئات السورية ببعضها البعض فتلك مهمة عسيرة، إنها بحاجة إلى أجيال جديدة تتبلور عبر عدة عقود حتى تستعيد بعضاً من العلاقات الطبيعية كما كانت عليه قبل الاحتراب الداخلى.
من الصحيح القول إن الرئيس الأسد استخدم أساليب قاسية للغاية لتأكيد شرعية حكمه وحماية الأرض السورية فى مواجهة المسلحين، سواء كانوا سوريين أم من المرتزقة الأجانب الذين جندتهم مخابرات دول كبرى وإقليمية للعمل لحسابها الخاص وضد مصلحة سوريا شعباً ودولة، وبنفس القدر من الصحة فقد استخدم هؤلاء المرتزقة بدورهم ومن يسمون بالمعارضة المسلحة الإسلامية وغير الإسلامية أساليب وحشية وغير إنسانية لتثبيت نفوذهم فى الأماكن التى سيطروا عليها لبعض الوقت، لكن يظل هناك فارق جوهرى، وهو أن الرئيس الأسد ونظامه له وضع شرعى، هو الُحكم المعترف به دولياً، هو العضو فى الأمم المتحدة، وواجبه أن يحافظ على بلده وعلى أمن شعبه، وألا يسمح بأن يسود ويسيطر جماعات من المرتزقة ابتذلت الدين لصالح أفكار هدامة وخبيثة وتدعى الوطنية وهى النموذج الأبرز للخيانة والعمالة والارتزاق الممجوج.
كثير من الذين يدافعون عن جماعات الإسلام السياسى والمعارضة المسلحة فى سوريا وفى غيرها يصورونها باعتبارها صاحبة الحق فى أن تفعل ما تريد، وأن النظام الشرعى ليس من حقه أن يواجه تلك الجماعات المرتزقة، هؤلاء يمارسون المنطق الأعوج بكل جسارة ودناءة فى الآن ذاته، يقلبون الحق إلى باطل، والباطل يدعون أنه الحق، لا يكترث هؤلاء بالمذابح التى ارتكبتها تلك الجماعات المأجورة، ولا التخريب الذى مارسته، ولا بالقنابل والصواريخ التى أطلقتها بحق المدنيين العزل، ولا بأسلوب استخدام المدنيين كدروع بشرية فى مواجهة الجيش السورى، ولا بابتزاز الشباب فى المناطق التى وقعت فى أيديهم من أجل أن يكونوا عملاء ومأجورين وخونة مثلهم، كل هذه الجرائم فى نظر المؤيدين ذوى المنطق الأعوج أساليب ووسائل مشروعة ومحببة إلى أنفسهم ويجب مباركتها.