تراكمات الأجيال ابتلعها دوران الأرض فزالت وزال معها ما افترضته وصدقته، وتركت الافتراض يجابه وحده، وبلا معين، واقع الحياة والطبيعة معاً. هذا الواقع الذى يكذب ويرفض ما تكذبه وترفضه الفطنة والحس المشترك. فهل تستطيع البشرية أن تعود إلى سيرتها الأولى فتسترد الأسس الأخلاقية والوحدة الروحية والفكرية الفريدة التى قادت خطاها فى السالف إلى ما أقامت عليه حضارتها المهددة الآن بالتحلل بمعاول هدم داخلية؟!
الموت هو الذى يلفت نظرنا للحياة، والمرض هو الذى يلفت نظرنا إلى الصحة، والعاهة هى التى تستحضر التفاتنا لقيمة الأعضاء والحواس، والخوف هو الذى يستدعى التفاتنا لقيمة الأمن والسلام، ووحشة الوحدة هى التى تلفتنا إلى الأهل والأحباب والأصدقاء!
تضيع الأمم، مثلما يضيع الأفراد، ويضيع الحق حينما يشيع الرياء والنفاق، ولا يلتفت المجتمع والناس إلى التفرقة بين الحق وإن استحى من الإعلان عن نفسه، وبين الباطل مهما علت موجته وأحاط نفسه بالتزيين والتجميل.. تستقيم خُطَى الإنسانية حين تدرك أنه لا قيمة ولا أثر إلّا بالنية الخالصة والعمل الصادق!
هل لا بُد للإنسان أن يصنع ما يكره، ليعيش ما يحب؟!!
لن ينال الثقافة من لا يملأ بوعى فراغات معارفه. مهم وأساسى أن نعرف تاريخ العالم وكيف نشأت الحياة الأولى وتطورت على أرضنا، وكيف توالدت ونشأت الحضارات، وأن نعرف تاريخ ومضمون الأفكار والمذاهب السائدة فى عصرنا، وأن نتقن لغتنا العربية ونعرف إلى جوارها لغة أجنبية تتيح لنا الإطلال على ما كُتب بلسانها. الرحلة مع الثقافة وما يلزمها ويغذيها ويملأ فراغاتها رحلة ممتعة لا يستطيع البادئ فيها أن يغادرها إلا وقد وضع قدمه على أول الطريق!
تدل حركة التاريخ على أن دعاوى الإصلاح لم تخرج قط من داخل ما هو موجود. الموجود خالد مرتاح دوماً إلى ما هو عليه، تعوزه رؤية ما عداه!
تأتى دعوات الإصلاح -إن أتت!- من همم عالية خالصة الإرادة صافية الرؤية غير مكبلة بماضٍ يُثقلها أو مصالح حاضر تشدها وتفقدها الرؤية وتحول بينها وبين الرغبة الصادقة فى التغيير.
لا حياة لمن ينعزل عن واقع الحياة، وحركة التاريخ. الحياة فى صيرورة دائمة، يخسر ويتخلف من لا يمتطى جوادها ويسير بصيراً متفطناً فى موكبها الذى لا يكف عن الحركة!
يجب علينا أن نحس دائماً بأهميتنا فى الكون.. هذا الإحساس ضرورى لتستمر ثقتنا فى أنفسنا لا غروراً أو تيهاً وإنما لنستطيع بهذه الثقة فى قدرتنا أن نسعى ونحقق النجاح المستمر.. وهذا يستلزم أن نزيد باطراد فهمنا وفطنتنا وجدّنا، وهو نجاح لجنسنا يرحب به العالم ليسانده فى ازدهار بقائه وترقيه!
لا يستطيع الآدمى أن ينقطع عن اللجوء بخطابه إلى ربه، مؤمناً هذا الآدمى أو ضالاً، مستقيماً أو جانحاً، راضياً أو متذمراً، مطمئناً أو قلقاً، مرتاحاً أو مكدوداً.. خطاب الإنسان إلى ربه قوامه الرجاء أو الضراعة أو الابتهال..
جهاز التحكم الآلى فى الآدمى هو الإرادة لا العقل الذى دوره كدور الحرارة والبرودة والجوع والشبع والمرض والصحة وما إلى ذلك.. وكلها مؤثرات تؤثر فى الإرادة تأثيراً آلياً ميكانيكياً فقط.. باعتبار الإرادة هى جهاز التحكم الآلى الذى يحكم ما سواه!
بَرْمَجة وعى الآدمى ولاوعيه شىء عجيب مدهش بالغ العجب والدهشة. هذه البرمجة دائرة بلا انقطاع من ملايين السنين.. فى اليقظة والنوم.. فى الأفراد والمجاميع.. فى كل مستويات العمر وكل الظروف والأحوال.. حتى أثناء الأمراض والأزمات.. لا تتوقف لا بالعاهات ولا بالجنون، ولا تتوقف إلا بتوقف الحياة!
فى اعتقادى أن «نور الإسلام» أصدق فى التعبير عن جوهر الإسلام من «السيف» الذى يقرنه البعض بالإسلام، فالإسلام هداية ونور. والذين يصرون على إلصاق «السيوف» بالأسماء والشعارات والرايات الإسلامية، يقدمون المادة الجاهزة لأعداء الإسلام للافتراء عليه بأنه دين سيف وخنجر وقنبلة!!
لا يوجد فى الماضى والحاضر والمستقبل آدمى حىّ أو أى حىّ آخر ضخماً كان أو متوسطاً أو صغيراً أو ضئيلاً.. تراه أو لا تراه عيون الآدميين.. إلا إذا كان ذا جسد يحتوى داخله الذى لا تراه عيونه وبقية أعضائه الخارجية يحتوى على أجزاء وعناصر وتراكيب وأعضاء وقوى لكل منها لزوم أو أداء أو وظيفة.. قد تحافظ على وجودها ودورها، وقد تنقضى وقد تضوى وقد تشارك فى نهاية الحىّ!
نحن منذ سنوات نتظاهر فقط فى العمل والمنزل والزيارة والإمارة والفرح والحزن والمكسب والخسارة والصحة والمرض والابتهاج والانزعاج والمسالمة وضدها والعبادة وعكسها.. لأن جميع ذلك ومثله بات سطحياً محضاً كله نادر الاستقرار أو القرار الحقيقى. فلم يعد يوجد فى أى بلد من يبالى من أهله عامة وخاصة بالثبات على الصدق والإخلاص والمروءة مما لم يكن نادراً العثور عليه هنا وهناك فى الخمسين سنة السابقة.. فالصحافة الآن قد تعددت وانتشرت أنواعها وألوانها الهائلة المطبوعة وغير المطبوعة التى لم يسبق لها من قبل مثيل فى الحركة والسرعة والحجم، لكنها باتت بعيدة عن الإخلاص، اكتفاءً بالجرأة والسعة والانتشار المتعدد مع قلة المبالاة بالصدق والأمانة فى نوع النشر والإذاعة فى العالم كله.. إذ لم يعد يهم البشر الآن إلا فقط معنى الساعة إن لم يكن معنى اللحظة.. بغض النظر عما مضى إذا كان قد انقضى.
حتى الآن لم تتخلص البشرية، أفراداً وشعوباً، من التخبط المستمر بين ما تراه أحياناً نفعاً وما تراه صدقاً وما تجده مفيداً وما تجده حقاً وما تحسبه نافعاً وهو ضار وما تظنه ضاراً وهو نافع وما تعده بسيطاً وهو معقد وما تتركه بحساب أنه معقد وهو فى الواقع بسيط.. وذلك التخبط المستمر مصدره الأول والأخير هو الأنا والحرص الدائم على انفراد الآدمى بتسميته أو بمسمّاه حتى لا تختلف أناه التى اختارها له أهله أو اختارها هو لنفسه فى زمن ما!
ماديات الأشياء فى الكون بما فى ذلك أرضنا بأصولها وأنواعها ومواردها، أطول ثباتاً وأعماراً بما لا يقاس بمجىء وذهاب الأحياء.. آدميين وغير آدميين.. كباراً وصغاراً.. واضحين ومختفين. والآدميون مَرُّوا ويمرُّون وسيمرُّون بالماديات ويستعملونها فى شهواتهم ثم يختفون من الوجود دون أن يغيروا ثبات الماديات الطويل.. لأن هذه لها خصائصها وأغراضها لا تبالى بمساعى الأحياء القصيرة الآجال!
من قديم القديم قد عرف الآدميون من خلال أجناسهم وأديانهم ومذاهبهم، عرفوا مواريثهم المختلفة.. وهى حركات معينة يتصرف فيها الآدمى ما شاء فيما يملك أو يظن أنه يملك، أو يتركها لمن هم بعده، أو ينقلها غيره إليه على النحو الذى يجرى عليه الدين أو القانون أو العقيدة المدنية البشرية.. وهذه لا يحفل بها الكون فى دنيا الآدميين إلى اليوم والغد.. معظمها لدى الأغلبية قشور وعادات وادعاءات وأوهام وخيالات.. وهذا يملأ المدن والبلدان والقرى والمياه والهواء، مع اتصالها الملازم المتوالى بالزراعات والصناعات والتجارات والمواصلات، وانتشار ذلك كله فى طول الأرض وعرضها الآن مع شدة الخوف الذى لا أول له ولا آخر فى الزمن الحالى فى كل مكان!
العقل هو هادى الآدمى ودليله ومرشده، وهو أيضاً صمامه ووازعه، وباب الحكمة وإدراك الصواب.. يسرى ذلك على العقل الجمعى مثلما يسرى على عقول الأفراد، إليه مناط كل شىء طيب لمن ينشدون الحق والصواب!