صيادو إدكو والمعدية: 25 ألف فدان فقدتها البحيرة والتعديات «بتهدد رزقنا وصحتنا»
صيادو إدكو
تتراص المراكب الصغيرة، على شاطئ بحيرة إدكو بطول الطريق المتاخم لها، تظهر فى تجمعات دائرية بألوانها الزاهية، ترسو بعدما جابت البحيرة بحثاً عما تبقى من أسماك كبرت بعدما أفلتت من بين شباك الصعق الكهربائى للصيد غير المشروع فى البحيرة، ما أثر على حجم ما يخرج من البحيرة يومياً بين شباك الصيادين التى تعد مصدر رزقهم الوحيد.
تستقر بحيرة إدكو شمال محافظة البحيرة، وتطل على 3 مراكز، وكانت مساحتها 52 ألف فدان فى بداية الخمسينات، لكنها وصلت حالياً إلى 17 ألف فدان فقط، وذلك بفعل التعديات والردم فى البحيرة، ويقتات من البحيرة 1700 صياد شرعى، بخلاف ما يزيد على 2000 صياد بدون رخصة.
يعيش صيادو البحيرة أزمة بسبب تقلص حجم الناتج عن البحيرة التى يعد الصرف الزراعى والصحى هو مصدر المياه الوحيد لها، بعدما أغلقت التعديات مصدر المياه من النيل، ولكن رغم ذلك كانت البحيرة تفيض بالخير، حتى طفا على السطح عدد من الصيادين غير المرخصين، يعملون على صيد الأسماك الصغيرة والزريعة، ما يهدد بالقضاء على الثروة السمكية بالبحيرة.
وعلى شاطئ البحيرة عاد سامى شلبى للتو من عمله، وقف يحاول لملمة شباكه، ويسلم ما فاضت به المياه من خير لشقيقه، يعمل فى غضب وعصبية مفرطة، دخل فى مشادة مع صياد غير شرعى كان يقوم بصيد الزريعة، تلك المشادات مستمرة بين الصيادين، ويقول إن الرقابة على البحيرة من شرطة المسطحات غائبة.
«سامى»: «صيادو الجاروف بيخرّجوا السمك الصغير وبينشفوه ويبيعوه لمصانع أعلاف الماشية ويضيعوا مستقبل البحيرة».. و«سنيور»: البحيرة تحولت إلى بركة مياه راكدة تلفظ ما بداخلها من أسماك بعد نفوقها
يخرج الصيادون غير الشرعيين متخفين ليلاً، وفى بعض الأحيان قبل ظهور أول ضوء للنهار، وذلك تجنباً للصدام مع صيادى البحيرة، ويقول «سامى» إن سمك إدكو تحول إلى علف، وذلك من خلال الصيد بـ«الجاروف»، ويشرح تلك الطريقة فى الصيد بأنها تستخدم شباكاً ضيقة جداً، «غزل ضيق»، وتفرد الشباك فى دائرة واحدة مغلقة، ثم ينزل الصياد للمياه بآلة بذراعين تسمى «جاروف»، يجرف ما فى قاع البحيرة من الأسماك الصغيرة جداً والزريعة، ويجمعها داخل الشباك.
يخرج صيادو «الجاروف» من المياه بأصغر الأسماك، ويقومون بنشرها وتنشيفها على شاطئ البحيرة، ثم يبيعونها إلى مصانع لتدخل فى صناعة علف الماشية والطيور: «تخيل زريعة السمك يعنى السمك الصغير اللى هو مستقبل البحيرة يبيعوه علف للحيوانات!!».
إلى جوار «سامى» يجلس محمود مسعود، بعدما انتهى من ميزان الأسماك التى خرج بها صيادو قرية «خمسة» من البحيرة، ويقول: «زمان قبل الطرق غير المشروعة فى الصيد دى كانت البحيرة بتفيض بالأسماك وبتدى 100 كيلو فى اليوم الواحد، لكن دلوقتى بالكتير 30 كيلو.. والنهارده مثلاً ما طلعناش بـ15 كيلو».
يقول «مسعود» إن الأسبوع الماضى كادت تحدث مجزرة بسبب معركة بين الصيادين وبعضهم لرفضهم تلك الطرق التى تقضى على الصيد فى البحيرة وتدمر مستقبلها: «المشاكل كتير، والدنيا صعبة ودى لقمة عيشنا الوحيدة»، ويقدر الرجل عدد المراكب التى تعمل بمهنة الصيد بالجاروف بـ«50 مركباً».
وكيل لجنة النقل والمواصلات بـ«النواب»: حذرت من الأوضاع السيئة والمشكلات المزمنة داخل بحيرة «إدكو».. وأطالب بسرعة حل عمليات التجفيف المتعمد ووصول مياه الصرف الصحى إلى داخلها
لم تظهر مهنة الجاروف إلا قبل 3 سنوات، وليست وحدها التى يستخدمها بعض الصيادين فى تدمير البحيرة، ولكن أيضاً هناك طريقة «الشبت»، وهى شباك طويلة وبها «جوابى»، وهى خطافات كبيرة حديدية ترتبط بالشباك، وهى تجمع الزريعة لبيعها للمزارع، وهى التى قضت على أنواع كثيرة من الأسماك كانت بالبحيرة، حتى أصبحت أنواع السمك فى البحيرة محدودة، حيث قضت تلك الطرق الغريبة فى الصيد على 70% من الأنواع، حيث تجمع فى المرة الواحدة أكثر من 100 كيلو سمك تبيعها الكيلو بـ3 جنيه أو أقل، ولكن ترك تلك الزريعة دون صيدها يحولها لـ100 كيلو تصبح فيما بعد «سمك كبير» يصل وزنه إلى طن، ويذكر شقيقه محمد مسعود طريقة أخرى غير مشروعة لصيد الأسماك وهى عن طريق الصعق بالكهرباء، ويقاطعه زميله «شلبى»: «دى بقا هنقضى عليها بإيدينا».
ويقول «محمد» إنه وصيادى البحيرة يحاولون مجابهة تلك الطرق، خاصة طريقة الصعق الكهربى، ويشرح تلك الطريقة التى تعتمد على اصطحاب المراكب ماكينة توليد كهرباء، وبها جهاز يقوم بصعق المياه على مساحة 10 أمتار، ليموت السمك ويطفو على السطح حيث يتم جمعه بسهولة.
كان النائب محمد عبدالله زين الدين، وكيل لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، ونائب دائرة إدكو وأبوحُمُّص بمحافظة البحيرة، قد حذر من الأوضاع السيئة والمشكلات المزمنة داخل بحيرة إدكو، مطالباً بالإسراع فى حل مشكلات البحيرة، خاصة عمليات التجفيف المتعمد ووصول مياه الصرف الصحى إلى داخلها، إضافة إلى انخفاض مستوى المياه، وقال «زين الدين» إن الصيادين يعانون أشد المعاناة من قلة الأسماك بسبب تلوث البحيرة، مؤكداً أن استمرار الأوضاع بهذه الصورة المؤسفة سيؤدى إلى ضياع مهنة الصيد وزيادة حدة البطالة لدى الصيادين خاصة بمحافظتى البحيرة والإسكندرية.
ومن بحيرة إدكو إلى قرية المعدية التى تطل على البحيرة، وتربط محافظة البحيرة بالإسكندرية حيث يعانى الصيادون مما سموه «الإهمال والتقصير من المسئولين عن تنمية الثروة السمكية»، فى الوقت الذى تتجه فيه الدولة لتوفير الخدمات للمزارع السمكية فى جميع محافظات مصر، وتراهن على تنمية الثروة السمكية خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأكد الصيادون بالمعدية أن بحيرة إدكو هى رزقهم الوحيد خلال رحلتهم فى البحث عن سمك، لكنها لم تعد أهم البحيرات الطبيعية التى تدر كميات كبيرة من الثروة السمكية مثلما كانت فى السنوات البعيدة، بعد أن طالتها يد التعدى والإهمال، وفقدت أكثر من 25 ألف فدان من مساحتها خلال السنوات الـ30 الماضية، ما ينذر بكارثة حقيقية إذا استمرت التعديات فى معدلها، الأمر الذى يؤدى إلى اختفاء البحيرة بالكامل.
سلامة سنيور، مستشار قانونى بنقابة الصيادين بالمعدية، أكد أن البحيرة تحولت إلى بركة مياه راكدة تلفظ ما بداخلها من أسماك بعد نفوقها: «لم يتمثل التعدى على بحيرة إدكو فى المبانى واستقطاع جزء من مساحتها فقط، بل أصبح التعدى على مياه البحيرة نفسها، بعد أن وجهت مواسير الصرف الصحى مياهها إلى داخل البحيرة، مسببة نسبة تلوث عالية جداً، بالإضافة إلى مياه الصرف الصناعى والمخلفات التى تأتى من شركات البترول والغاز المسال والمتمركزة على حدود البحيرة».
وأكد «سنيور» أن آلاف الأطنان من الأسماك تموت فى أسبوع واحد بسبب تلوث مياه البحيرة، بالإضافة إلى المساحات الكبيرة غير المستخدمة بسبب الحشائش التى تغطى سطح المياه، مشيراً إلى مدى السلبية التى يلاقونها من قبل مسئولى الثروة السمكية، قائلاً إن المسئولين بالثروة السمكية وعدوا بتطهير 80% من البحيرة على أن تتحمل شركتا «رشيد للبترول» و«المصرية لإسالة الغاز» تكلفة تطهير باقى البحيرة، إلا أن وعودهم ذهبت هباءً ولم يتم تنفيذ أى شىء منها، وما زال الصيادون يعانون انخفاض حصة الأسماك يومياً دون أى تعويضات من الحكومة.
وكشف «إبراهيم» عن تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والتنمية، والذى أفاد بأن صيادى المعدية يتعرضون إلى نوع جديد من التعدى على البحيرة، وهو زيادة نسبة التلوث البحرى فى منطقة خليج أبوقير الناتج عن الصرف الصناعى لترعة العامرية، حيث تقوم شركات «راكتا للورق» و«أبوقير للأسمدة» والغاز المسال، بإلقاء مخلفات المصانع الكيماوية الملوثة بالترعة، مؤكداً أن هذا التلوث تجاوز الحد المسموح به دولياً ومخالف لقانون البيئة ويؤثر على إنتاج الأسماك، وكان نتيجة ذلك نفوق آلاف الأطنان من الأسماك، ما يهدد المصدر الوحيد لرزق الصيادين بالانهيار، وأيضاً يؤثر سلبياً على صحة وحياة باقى المواطنين لتناولهم أسماكاً مسمومة.