العاشقة هي ( فاتن حمامه ) ، الفتاة المعجزة سريعة الحضور و البديهه، ذات الجمال الهادئ ، الراقي و العيون اللامعة ذكاءا و موهبة و القا و عشقا ، و من ثم البطلة ، سيدة الشاشة و حلم الملايين . الفنانه الرزينه المحترمه، منتقاة الكلمات، مهذبة الفكر ،رقيقة الوجدان .
العاشق هو (محمد عبد الوهاب محمود ) ، طبيب ذكي مشهور ، في وسطه الطبي ، فهو استاذ الأشعة بكلية الطب بالقصر العيني ،رجل مهذب خلوق، هادئ الطباع، رجل علم و علوم و مبادئ . أنشئ مؤسسة كبيرة في تخصصه تتسم بالنجاح و السمعة الطيبه ، وصفته حبيبته بانه (إنسان ) و يالها من كلمة تختصر الكثير و العظيم من الصفات، فما اجمل ان يوصف شخص بأنه إنسان ، مابالك لو كان طبيبا ، فهي مهنة الانسانية و الرحمة بالأساس.
لم يتقابلا منذ شبابهما الاول ،و لم يكن الحب الاول لكليهما، لم يكن بينهما انبهار التلميذة بالأستاذ و التغاضي عن فارق بالسن ، فقد خبرت البطله تلك المشاعر مع زوجها الاول ( عز الدين ذو الفقار) ذاك المخرج اللامع، الذي تسرعت ، و تزوجته و هي مازالت في المرحلة الثانوية ، لتصحوا على حقيقة صادمه ، بانه ليس الحب ،الذي كانت تبحث عنه، فقد شغل عنها الزوج و اصبح الغياب هو الحاضر بينهما، فعاشت زوجة شابة وحيدة ، محبطة خائبة الأمل .
و لم يكن حبها للدكتور (عبدالوهاب) كحبها (لعمر الشريف) ذاك الفتى الوسيم ، ذو العيون العسليه و التي قالت عندما رأته لأول مرة : انا أحب !!! ، و قبلت حبة و قبلته الاولى على مرأى و مسمع من العالم اثناء تصوير فيلم (صراع في الوادي) ، معلنه انها وقعت في نهر الحب ، و ظلت تتابط ذراعه طيلة سنوات زواج ليست بالقصيرة ، لم تكن تفارقه أبدا و كأنها في حلم، لا تريد ان تصحو منه ، تنهل من الحب و الشوق و تعصف بها نيران الغيرة ، ثم تدب أسباب الفرقة بينهما ، ليتحطم ذالك الزواج و للأبد .
كان (محمد عبدالوهاب) ذاك الحب الهادئ ،ميناء السلام و الصديق الرفيق و الصاحب و الأهل و الدار. كان السكن ، كان بحيرة المياة الهادئة المريحة بعد إعصار و شلال مرهقين استنفدا أعصابها و حياتها، فباتت تشتاق للسكينة و الأمان ، فهذه المرة هي لن تترك وحيدة في المنزل ، بينما الزوج يخرج أفلاما لبطلات أخريات (كعز ) ،الذي كان بنفسه معتز، كذلك هي لا تلتفت خلفها ،كل دقيقة من شدة غيرتها من تحرش الأخريات بذاك الشريف ، بل هي الان تنعم بالراحة و الاطمئنان و هذا هو الحب الذي دام أربعين عاما فأصبح كل ما فات ذكريات ،مجرد ذكريات، حلوها بمرها .
اما الطبيب الانسان الذي شاركها الاستماع الى الموسيقى و تذوق الفنون الراقية و الذي أعطاها آراءه في ما يعرض عليها ، و الذي كان من الحكمة و العقل و النضج ، بان احتوى عقل و قلب (فاتن ) فاتنه السينما المصرية و سيدة الشاشه ،فقد كان هو الحب الحقيقي و القوي و الراسخ ، ذو الأعمدة المتينة و الأساسات السليمة ، انها عبقرية الحب ، و تجلت تلك العبقرية ، عندما قرر العاشقان ان يغلقا على حياتهما الخاصة أبوابا و اقفال فهذا الصرح غير قابل للهدم , انه القرار باستمرار الحب .
اكاد أراهما يكبران مع بعضهما البعض تظهر تجاعيدهما سويا ، يبيض الشعر و تبيض معه القلوب ، يجمعهما في ليالي الشتاء الباردة أكواب شاي دافئة ، على كرسيين يتأرجحان ، يعلقان على صور قديمة ، او على أفلام بالتلفاز ، او ربما كانا قلقين ،باكيين على مستقبل ، وطن مر بظروف صعبه و هما بسن كبير ، فكان تأثرهما و شجنهما أشد من اي وقت مضى، و أراهما فرحين برفع إعلام البلاد و انقشاع الغمة اخيرا و بتكريم حصلت عليه هي حتى اخر لحظات حياتها ، و مازلت أراهما يجلسان مع دائرة معارف اخرى ، ليست فنية كسابق الأيام، و ليست صاخبة مزدحمة ، ينعمان بدفئ الأحباب و الاصحاب و الاقارب و تمضي السنوات الاربعون بينهما و تمرض فاتن و تعالج ، و يشرف العاشق على إجراءات علاجها ، تتأزم حالة قلب فاتن الذي اتعب قلوبا و تعذب من اخرى.
تأتي لحظة الفراق ، يتغديان سويا كعادة أربعين عاما لم تفرقهم الا ايام سفر احدهما عن الاخر ، لفترة قصيرة ، و تشعر فاتن بهبوط و تصعد غرفتها للراحة محاولة الاعتماد ، على نفسها ، في الوقوف لكنها تسقط أرضا، ينسى لحظتها انه طبيب و يتذكر فقط انه عاشق و يحاول انقاذها باستدعاء سيارة الإسعاف لمستشفى القلوب الشهير و قلبه هو معها و لا يدري لحظتها انها فارقت الحياة و فارقته و فارق معها أربعون صيفا و ربيعا و شتاء و خريفا.
يحزن الوطن و الجمهور و تحزن الدنيا لفراقها ، الكل ينعي فاتن ، لكن ألمه هو اكبر من التصريحات و الكلمات ، يؤثر الصمت و الهدوء كعادته ، تغتاله الوحدة و الافتقاد و هو في أصعب سنوات العمر حيث الالم أعمق، والطاقة اقل و عوامل النسيان منعدمة ، يأخذ نعش المعشوقة بين ذراعيه كأنه يأبى ذهابها وحيدة فأين جلسات السمر و نقاشات العمر و مشاركة الحياة و الخوف و القلق و الفرح و الأرق و مواعيد الدواء و الطعام ، أين الحياة ، أين ذهبتي بها يا فاتن تاركة إياه !!!!!!