يُتخذ القرار أو ينشأ القانون أو يعدل ثم يبدأ الناس فى جنى آثاره. مؤخراً وافق مجلس النواب على تعديلات قانون الزراعة. ويعطى القانون لوزير الزراعة بالتنسيق مع وزير الرى طبقاً للسياسة العامة للدولة، أن يصدر قراراً بحظر زراعة محاصيل معينة فى مناطق محددة، والتى قد تكون شرهة للمياه بغية الحفاظ على المقنن المائى وترشيد استخدام المياه. النواب وافقوا على التعديل، لكن بعضهم حاول أن ينجو بدائرته ويستثنى المنطقة التى يمثلها من الحظر، ما دفع رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال إلى أن يقول لهم: «نعيش حالة فقر مائى شديد».
لا خلاف على أن مجلس النواب تعامل مع أمر واقع، فنحن بالفعل نعانى من فقر مائى شديد، ولا أحد يعلم على وجه الدقة والتحديد التأثيرات السلبية لملء سد النهضة الإثيوبى على حصة مصر من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب). والمفاوضات -كما هو معلن رسمياً- متعثرة، وبالتالى فنحن أمام أزمة، لكن يبقى أن التعديل الذى أقره «النواب» سيكون له نتائج شديدة الأثر على واقع الزراعة فى مصر. وسوف يؤدى بالضرورة إلى خلق أزمات أخرى كبرى، ما يعنى أننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد أمامنا فيها سوى أن نعالج الأزمة بأزمة، تماماً مثل الإنسان العادى الذى ضاقت به الحياة ولم يعد دخله يكفيه فلجأ إلى السلف، فعالج أزمة «ضعف الدخل» بأزمة «ديون».
مطلوب من الحكومة التى اقترحت التعديل، ومن مجلس النواب الذى أقره ووافق عليه، أن توضح لنا خطتها فى التعامل مع النتائج المترتبة على هذه الخطوة. محاصرة زراعة الأرز وغيره من المحاصيل الشرهة إلى المياه ستؤدى إلى ارتفاعات متوقعة فى أسعار سلع أساسية بالنسبة للمصريين، فماذا أعد الوزراء والنواب للتعامل مع هذا الموقف؟. مسئولون رسميون كثر أعلنوا عن إجراءات اقتصادية جديدة سوف تتخذها الحكومة بشأن التخفف من دعم الوقود بنسبة (26%) فى الموازنة العامة الجديدة (2018/ 2019)، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء وأسعار المترو والقطارات وغير ذلك، وهى إجراءات ستعقد معيشة المواطن أكثر وأكثر. فهل لدى الحكومة تصور معين حول الطريقة التى ستنصح بها المواطن للتعامل مع الموجة المتوقعة للغلاء، أو إجراءات الحماية الاجتماعية التى تنوى اتخاذها؟.
إدارة الأمور بهذه الطريقة تعنى ببساطة أن الحكومة تحل مشاكلها بتصديرها إلى المواطن، ومجلس النواب يساعدها على ذلك. تواجه الحكومة أزمة عجز فى الموازنة، فتجتهد فى حلها من خلال تقليص الدعم، أو فرض الضرائب والرسوم، أو الاستدانة من الداخل والخارج، ثم يجلس أعضاؤها فى حالة انبساط بحلولهم العبقرية، التى تقوم على «رمى المشكلة على الشعب»، كما حدث فى «تعديل قانون الزراعة». لو أنك سألت الحكومة عن حلول أخرى ستحدثك عن عجز الموازنة وتصرخ قائلة: «ماعندناش!». إنها حكومة مكرمة منعمة، تحل مشكلاتها بمجموعة قرارات أو قوانين، يوافق عليها مجلس النواب، وتمر إخفاقاتها دون حساب، ثم تكافئ نفسها على الأداء المبهر برفع مرتبات أعضائها.. دا إيه الهنا دا؟!.