أتذكرين ذلك اليوم يا غاليتي.. عندما ناديتك ابنتي، رأيت علامات الاستغراب على وجهك الجميل، لماذا تناديني ابنتي! وكان جوابي وقتها أن الإنسان لا يُحب أحدًا أكثر من نفسه غير أبناءه.
ولمحت في عينيك شيئًا من خجل، فغيرت موضوع الحديث، أردت يومها أن أقضي معك أطول وقت ممكن، حتى أنني ركبت معك نفس سيارة الأجرة، ونزلت أنت في منتصف طريقي لتبدلي السيارة المتجهة إلى قريتك.. لوحتِ لي بيدك، وعلى وجهك الابتسامة المعتادة التي لا أفهمها، لكنني أفهم أنها كفيلة بجعلي أسعد إنسان في الكون لمجرد رؤيتها.
كنت يومها مسافرًا إلى القاهرة للاطمئنان على صديقنا المريض، لم تتركيني لحظة طوال الطريق.. ظلت ابتسامتك الآسرة ترافقني، وارتسمت على وجه ترعة الإبراهيمية، وانعكست على وجهك أشعة الشمس فزادته إشراقًا.. لا أدري كم من الوقت مضى حتى وصلت إلى وجهتي بالقاهرة، ولا أدري كم من الوقت مضى وأنا مستغرق في عينيك اللتين لم ولن أرى أجمل منهما ما حييت.
كان معي في القطار اثنين من الأصدقاء، لم أشعر بوجودهما، ولا بوجود أحد حولي، وكأن القطار قد خلا إلا مني وعينيك.. فظللت ألاطفهما، وأحكي لهما عنك، إلى أن شعرت بأن فيهما بريق رغبة في خوض تجربة العشق معي، لكنهما سرعان ما تحجرتا وعادتا إلى قسوتهما.
أحب أجواء القاهرة كثيرًا كما تعلمي، لكنني لم أستطع المكوث بعيدًا عنك هذه المرة، حتى أنني ذهبت لرؤية إخوتي لكني لم أستطع مقابلة أحد، فعدت من منتصف الطريق، ولما جاء من عندك أحد الأصدقاء عانقته عناقًا طويلًا، وقبلت عينيه لأنها رأتك.. وقبلت مسامعه لأنها طربت لسماع صوتك.
وبعد ليلة طويلة وقاسية، شديدة البرودة في قطار الغلابة، لم أستطع أن آخذ قسطا من الراحة في بيتي، وخرجت أبحث عن راحتي عندك، فما وجدت منك غير لامبالاتك المعتادة، وتجاهلك القاتل للهيب شوقي، فاكتفيت ساعتها بمجرد رؤيتك بخير.