الهدف من الحياة تعمير الأرض وعبادة الله رب السماء والأرض وهذا الهدف يعتبر أسمى هدف خُلق الإنسان من أجله، وبسببه تكون حياة الإنسان مليئة بالأعمال التي تخدم هذا الهدف وتصب في مصلحته.. حياتنا مليئة بالأعمال ولكننا لا ندرك ذلك لأننا نعتقد أن العمل مختصر في مجال التجارة ولا نعرف قيمته إلا عندما يتم توظيفنا في وظيفة معينة نتقاضى منها أجر أو عندما نقدم على مشروع تجاري يدر علينا ربح مادي أو على الأقل عندما نقدم خدمة مقابل أجر.. لكن في الحقيقة مصطلح "العمل" أعم وأشمل من كل هذة المعتقدات، فالعمل مصطلح يضم كل البشر الذين يقدموا على فعل أي شيء نافع لمجتمعاتهم أو للأشخاص المحيطين بهم أو حتى لأنفسهم، فرسالة الحياة تعتبر عمل طويل نعيشه لنختتمه على أكمل وجه، وأي فعل نفعله خلال مشوار رسالتنا الطويل يعتبر عمل حتى لو كان مجرد طاقة إيجابية نوصلها لغيرنا بكلمة تخرج من أفواهنا لنرسم البسمة على أفواه الآخرين.
في عيد العمال الذي تم تخصيصه لتكريم كل يد تعمل لتبني وتصلح وتقيم، علينا أن نشكر من صميم قلوبنا الفلاح أو المزارع الذي يزرع البذور ويروي الأرض ويحرثها حتى يحصد محاصيلها لنأكل منها أفضل الثمر.. علينا أن نشكر عامل البناء الذي يحمل الحجارة ليبني لنا بيتاً نسكن فيه ونحتمي تحت جدرانه من حرارة الشمس الحارقة بينما يتحملها هو طوال فترة البناء حتى تسود بشرته.. علينا أن نشكر "عامل النظافة " الذي يضحي بمظهره وهيأته ورائحة جسده في مقابل لقمة عيشه التي يأخذها من كل بيت يحمل من أمامه القاذورات.. علينا أن نشكر "الكناس" الذي ينظف لنا الشارع لنمشي عليها بسيارتنا الفارهة المكيفة ونقذف العلب البلاستيكية من شرفتها فيتسخ الشارع من جديد.. كل هؤلاء من حقهم علينا أن نكرمهم ونصنع لهم يوماً خاصاً نذكرهم بفضلهم علينا في الحياة.
كل فعل بسيط ونافع يقوم به الإنسان في حياته يعتبر عمل خير يحبه الله ويقدره الناس.. ليبارك الله كل الأيادي التي تشققت وهلكت من قسوة الحرف اليدوية، لا يمكن أن نغفل موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما جاء إليه رجل وأخفى يده لأنها متشققة فقبل النبي يده وقال له "هاتان كفان يحبهما الله ورسوله".. وقال الله تعالى "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" {التوبة : ١٠٥}.. العمل عبادة والعبادة في حد ذاتها عمل، المهم أن يتقن الإنسان كل عمل يقوم به تنفيذاً لوصية النبي: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".