محمود الجارحى يكتب: «مهووس حوادث»
محمود الجارحى
كان مجرد مبنى تحت الإنشاء، عندما ذهبت لإجراء «إنترفيو» تجربة صحفية جديدة يؤسسها الكاتب الصحفى مجدى الجلاد، أذكر جيداً رائحة طلاء الجدران، ونظرات الارتباك التى اعتلت وجوه زملائى الذين قادتهم أقدارهم إلى عتبات مبنى جريدة «الوطن» كما فعلت وأحمد الله على المجازفة التى قمت بها عندما أنهيت رحلتى فى جريدة الدستور العريقة لاستئنافها فى المكان الذى أضاف لصحافة الحوادث «نكهة جديدة».
صحفى حوادث، مهنة تحولت داخل «الوطن» إلى قدر «مكتوب على الجبين»، من مسرح جريمة إلى موقع تفجير، من جولة أمنية إلى حملة إشغالات، لم أستطع منذ انطلاقة الجريدة قبل 6 سنوات أن أرمش بعينى، هاتفى لا يتوقف عن الرنين «الحق فيه تفجير.. انزل فوراً» فى بداية الأمر كنت «عصفور حر طليق» لم أكن ألقى بالاً لعبارات زملائى «الله يكون فى عون اللى هتتجوزك يا جارحى.. انت مهووس بالحوادث»، حتى أقدمت على اتخاذ تلك الخطوة وقتها أدركت.. نعم أنا مريض بـ«الحوادث» وازداد هوسى بها عندما بدأت كلمات الإطراء والإعجاب تأتينى من مصادرى الذين اجتمعوا على جملة واحدة «انت يابنى كأنك كنت بتستجوب المتهم معانا.. إحنا بقينا مدمنين حب «الوطن» وحوادث «الوطن» لم أكن سعيداً بالجزء الأول من العبارة بقدر خاتمتها، وذلك لأن «الوطن» هى مصدر إلهامى، فى ذلك المكان أشعر بأننى «حر القلم»، أو «راوى» وأنا أسرد قصص الخيانة والثأر والجشع، كيف تفرق الأخوة بسبب «50 جنيه» وكيف قتلت الأم رضيعها لأنه «ابن سفاح»، إلى جانب حكايات ودموع أمهات شهداء الشرطة البواسل الذين دفعوا حياتهم ثمناً للإرهاب الغاشم.
6 سنين مضت من عمرى داخل «الوطن»، لا أذكر أننى توقفت عن الكتابة أو انقطعت عن العمل يوماً، كانت أطول إجازاتى «أسبوع الزواج»، ولم أكررها، أصبحت مدمناً على رائحة المكان، دخان سجائر زملائى الذى لا ينقطع، اجتماعات الأستاذ محمود مسلم، رئيس التحرير، الشهرية، لتطوير محتوى الجريدة، صفحة الحوادث الأسبوعية التى كنت حريصاً بأن يكون لى «نصيب الأسد» فيها، هنا ذكريات لن تتكرر، هنا حلم تحول لحقيقة، ففى رحلتى مع «الوطن» أيقنت أنها «وتد» اشتد ساعدى به عندما حرصت الإدارة على تطوير أداء أبنائها بالعديد من الدورات التدريبية التى كنت أنا أحد الملتحقين بها وأعترف بأننى تغيرت «180 درجة» بعد أن أنهيتها، فأصبحت كتاباتى مختلفة لها مذاق خاص لمسته فى عيون مصادرى.. شكراً لـ«الوطن» التى منحتنى فرصة لطالما حلمت بها.