مريم الخطرى تكتب: يوم مولدى
مريم الخطرى
أربعة أعوام مرت داخل كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وأنا أنتظر لحظة تخرجى، لأقتحم العمل الإعلامى، حتى أسير على خطى «منى الشاذلى»، حتى إنى كنت أمزح كثيراً مع والدى وأقول له: «أنا اللى هقعد منى الشاذلى فى البيت.. وهتشوف»، لكن تحطمت أحلامى عقب التخرج لعدم توافر فرص عمل فى «الصحافة والإعلام»، ودخلت فى مرحلة حزن شديد حتى سمحت لى الفرصة بالالتحاق بكتيبة «الوطن»، حتى تبدل خط سير حياتى، وكُتب لى يوم مولدى الجديد داخل أروقة الجريدة.
أتذكر جيداً، أول يوم لى فى مبنى الجريدة، وجلوسى على كرسى مرتبكة لا أعرف شيئاً فى العالم الجديد الذى ينتظرنى، لدرجة أنى «ضحكت من سذاجتى»، لترقبى وخوفى، وسؤالى لنفسى: «ماذا سأفعل؟»، وفى أى الأقسام سأعمل، كنت خائفة كطفلة تذهب لحضانتها أول يوم، وتتركها والدتها لتتعرف على عالمها الجديد.
ولكن سرعان ما وجدت أستاذ عادل الدرجلى، «الأب الروحى» -كما أقول له دائماً-، حيث يعود الفضل الأول له فى تعليمى أول فنون الصحافة، وأول دروس الحياة أيضاً، حيث كنت كطفلة -بما تحتويه الكلمة من معنى- لا أعرف شيئاً، لكنه تلمس شغفى وحبى بأن أكون شيئاً عظيماً، وجد فتاة حالمة فى سماء عالية، تبنى حلمها، فوضعنى على بداية الطريق فى «القسم السياسى» بالجريدة، وتركنى، ولكنه حتى الآن لم يتركنى -كما أظن أنا- بل إنه كأب يراقب ابنته من بعيد ليعلمها كيفية انتقاء الشوك بيديها حتى تتعلم بمفردها ولا تعتمد على أحد.
وأتذكر أيضاً، أول خبر لى بعد كتابته أمام «أم السياسى»- وهى الأستاذة «هدى رشوان»، التى كانت تحب أن نناديها بهذا الاسم، حيث كانت الأم التى ترعى دائماً دون انتظار المقابل، وتعتبر الجندى المجهول وراء صمودى بعد كل «كبوة لى»، فأذكر اتصالها بى وفرحتها عند إبلاغى بأول «راتب»، وكذا عندما ارتكبت خطأ مهنياً، وحدث بشكل غير إرادى منى، فبعثت لى و«وبختنى» فى مكتبها، وخرجت بعدها باكية، ألوم نفسى، وأردد: «إزاى أغلط الغلطة دى.. وأضيع مجهودى فى مصدر (شبه ميت)، ولكن توبيخها لى جعلنى أعافر لكى أمحو هذا الخطأ باحترافية».
وأتذكر كذلك، أول اجتماع برئاسة الأستاذ محمود مسلم، رئيس تحرير الجريدة، فهو ليس رئيس تحرير فقط، بل إنه قائد بمعنى الكلمة، وشتان بين القائد والمدير، فهو يعرف جيداً كيف يجعلنا متميزين، كيف يحيى بداخلنا الإنسانية والموضوعية عند كتابة الخبر؟ إنه ماهر فى تنمية الحلم بداخلنا، وبارع بأن يجعلنا متميزين فى بلاط صاحبة الجلالة.
واليوم، كبرت ونضجت بشكل أكبر بكثير عن أول يوم دخلت فيه «الوطن»، التى أصبحت بيتى الذى أمكث فيه أكثر من بيتى التى تربيت فيه، وهنا أتعلم كل يوم على أيدى أساتذة كبار لهم الفضل فى كل نجاح أحققه، وكل عام وكل أساتذتى فى «الوطن» -الصغير الكبير- بخير، لأنه دوماً «قوته فى ناسه».