فى شهر أغسطس الماضى كتبت على صفحات جريدة «الوطن» أدعو للإصلاح الاجتماعى، قبلها وفى ٢٠٠٩ كتبت داعياً الدعوة نفسها على صفحات مجلة «روز اليوسف»، قلت إن الإلحاح كان دائماً على فكرتى (الإصلاح الاقتصادى)، و(الإصلاح السياسى)، فى حين أننا لو تأملنا لوجدنا أن الإصلاح الاجتماعى هو الضرورة الملحة.. دعوت سيادة الرئيس وما زلت أدعوه لتبنى مؤتمر كبير حول الشخصية المصرية، وكنت أعرف من خلال ما يُنشر أن هناك جهوداً للمجلس الاستشارى الاجتماعى يقودها د.أحمد عكاشة، لكن النتيجة النهائية لم يعلن عنها حتى الآن.
لو نظرنا حولنا لوجدنا أن هناك صدعين كبيرين فى الشخصية المصرية، أولهما هو الإهمال وعدم إتقان العمل، وما تقرير الرقابة الإدارية حول ما جرى فى التجمع الخامس ببعيد، فقد أشار التقرير المبدئى إلى «إهمال جسيم شابَ أداء المسئولين هناك ولوّث مجهودات كبيرة تقوم بها مؤسسات أخرى فى الدولة فى اتجاه الإنجاز ومحاولة الإتقان».
أما الصدع الثانى فى الشخصية المصرية، الذى نما على مدار الأربعين عاماً الماضية، فهو (التدين الشكلى) أو الغزو الثقافى الوهابى، وقد جرت مياه كثيرة فى النهر منذ شهر أغسطس الماضى، وأطلق ولى العهد السعودى محمد بن سلمان تصريحات جريئة قال فيها «إن إقدام المملكة على نشر الوهابية كان استجابة لطلب مباشر من دوائر غربية أرادت أن تتصدى للشيوعية بهذه الطريقة»، وبغض النظر عن التفاصيل فإن على مصر أن تفكك إرث الماضى وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها هو الجماعات والكيانات السلفية التى تم تأسيسها ودعمها فى مصر منذ بداية السبعينات، وثانيها هو التأثير السلفى على مؤسسة علمية عظيمة مثل الأزهر الشريف، وثالثها هو التأثير السلفى على الشخصية المصرية نفسها والآثار التى خلفتها سنوات طويلة من الاستسلام لهذا النمط من التدين.
لقد قلت فى الخامس من أغسطس الماضى فى مقال بعنوان «الإصلاح الاجتماعى»: «لقد تعرضت الشخصية المصرية لتسونامى الاستهلاك والسلفنة وكاد أن يقتلعها من جذورها فتراجعت قيم الإتقان، والإنتاج، والعمل، والحرية الشخصية، وبقينا مولعين فقط بكل ما هو شكلى واستهلاكى».. وهأنذا أكرر ما قلت، وأقول إن أساس النهضة هو تغيير البشر قبل الحجر، وأعرف أن للدولة توجهات فى هذا المجال يشكك فيها البعض فى مجال التعليم مثلاً، لكنى أقول إنه لا يمكن لوزير شجاع مثل طارق شوقى أن يذهب إلى آخر الشوط فى إصلاح التعليم دون مؤتمر كبير وحاسم للإصلاح الاجتماعى يعيد رسم ملامح الشخصية المصرية ويخط الطريق الواضح لإعادة بناء هذه الشخصية، أقول هذا وفى ذهنى ذلك التراجع الذى اضطر إليه وزير التعليم حين قال إن تصريحاته عن توحيد التعليم الأساسى لا تعنى إلغاء التعليم الأزهرى الابتدائى، فى حين أن الخطوة الصحيحة لإصلاح التعليم والشخصية المصرية معاً هى توحيد التعليم الأساسى فى أنحاء مصر كلها. إننى أكرر دعوتى للسيد الرئيس بالدعوة العاجلة لمؤتمر لإصلاح الشخصية المصرية يتوحد حوله المصريون. وأختم بما كتبه العظيم الراحل جمال حمدان منذ ثلاثين عاماً حين قال: «إن ما تحتاجه مصر أساساً هو ثورة نفسية، بمعنى ثورة على نفسها أولاً وعلى نفسيتها ثانياً، وتغيير فى العقلية، والمثل، وأيديولوجيا الحياة قبل أى تغيير حقيقى فى حياتها، وكيانها، ومصيرها... ثورة فى الشخصية المصرية.. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر، وكيان مصر، ومستقبل مصر».