فى صورة غريبة على عيون المصريات كان الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر الشريف، يجلس فى فى القصر الرئاسى بسنغافورة «أستانا»، مع رئيسة سنغافورة «حليمة يعقوب»، فى إطار جولته الآسيوية، وبعد التهانى والبروتوكول قال «الطيب» إن «هذا النجاح يشكّل تطبيقاً عملياً لفكر الأزهر الشريف الذى يدعو المسلمين إلى الاندماج الإيجابى فى المجتمعات التى يعيشون بها، والإسهام بقوة فى تقدمها ورقيها، كما أن هذا النجاح يُعد نجاحاً لكل النساء المسلمات، وشهادة حية على أن المرأة تستطيع أن تسهم بقوة فى نهضة المجتمع وبنائه»!
كدت «أبكى» من فرط السعادة والصدمة وهما تتنازعان عقلى، هل حقاً يجلس شيخ الأزهر مع «امرأة» تحكم سنغافورة، رابع أهم مركز مالى فى العالم، وهل معنى ذلك أن فضيلة الإمام قبل بأن تكون «الولاية الكبرى» للمرأة ولم يأخذ بالحديث المذكور فى «البخارى»، الذى رواه «أبوبكرة»، قائلاً: «لقد نفعنى الله بكلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيام الجمل (يقصد موقعة الجمل بين عائشة وعلى بن أبى طالب)، بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما أُبلغ رسول الله أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى، قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»؟!
«الطيب» تحدّث عن مبادرات الأزهر لترسيخ ونشر قيم السلام والتعايش، ومواجهة الجماعات المتطرفة وتفنيد مزاعمها الكاذبة التى تشوه صورة الإسلام والمسلمين، والدعوة للحوار والتسامح، ودعا المسلمين إلى «الاندماج الإيجابى» فى المجتمعات التى يعيشون بها، وقال بالنص إن نجاح «حليمة يعقوب» يُعد نجاحاً لكل النساء المسلمات (آه والله)!.
رئيسة سنغافورة -لمن لا يعلم- جاءت لمنصبها بالتعيين، وليس بالانتخاب، لتجسد الانحياز للأقليات العرقية أولاً وللنساء ثانياً، فحليمة تنتمى لأقلية «الملايو»، وهى مجموعة عرقية يعتنق أغلبها الإسلام السنّى، وكان قرار «تعيينها» رئيسة للبلاد يهدف إلى تعزيز الشعور بالشمول فى الدولة متعددة الثقافات، فقد قررت سنغافورة أن تكون الرئاسة، (وهى منصب شرفى إلى حد بعيد)، محجوزة هذه المرة للمرشحين من تلك الأقلية، لتصبح أول امرأة مسلمة تتولى منصب رئاسة سنغافورة وثانى رئيس من عرقية الملايو بعد «يوسف إسحق» الذى تزين صورته أوراق النقد فى البلاد.. فاختيارها لم يكن انحيازاً دينياً بل عرقياً. فكانت سنغافورة تقدم درساً وطنياً فى دمج الأقليات الدينية والعرقية، وتمكينهم من أعلى المناصب القيادية، لأنها دولة متعددة الثقافات صاحبة تاريخ حافل بالمهاجرين.. فسكانها الذين يصل تعدادهم إلى نحو خمسة ملايين هم خليط من الصينيين والملايو والهنود وآسيويين من ثقافات مختلفة والقوقازيين.. وما تم مع «حليمة» يمكن أن يتكرر مع أقلية من البوذيين (الذين يمثلون 33% من السكان، أو مع اللادينيين وهم 17% من السكان.. أو مع الهندوس أو الكاثوليك أو البروتستانت).
إذاً «حليمة يعقوب» انتصار للإنسانية والتعايش السلمى بين الأديان المختلفة والثقافات المتنوعة، وليست انتصاراً للإسلام، لكن الغريب أن شيخ الأزهر بدا مرحباً بـ«تبادل الخبرات» مع سنغافورة، فى الدعوة للحوار والتسامح!.. بل ودعا الرئيسة «يعقوب» إلى مؤتمر عالمى حول التحديات المعاصرة التى تواجه المرأة!
لم يذكر لنا شيخ الأزهر رأيه فى «الحرب المذهبية» بين السنة والشيعة فى اليمن وسوريا.. ولم يقل رأيه حول احتواء أقباط مصر وشيعتها من مسلمى مصر.. وهل الدكتور «الطيب» يقبل بتمكين المرأة من «الولاية الكبرى» فى مصر أم أنها مجرد «محطة عابرة» فى جولته الآسيوية.. هل تبخّرت كلمات «البخارى» بفعل تغير المناخ وسوف نعود إلى مناخنا الملتهب: «عنصرى طائفى دوماً.. تكفيرى دموى طول العام»؟!.
نحن ننتظر أن يعود إلينا شيخ الأزهر بـ«الاندماج الإيجابى».. والتمر، وكعك العيد أيضاً.. لنبتهج بوقف مذابح إبادة الأقباط والشيعة فى العالم العربى!.