لم أرتح يوماً وأنا أتحدث عن بريطانيا.. يقولون فى تاريخ العلوم السياسية إنها إحدى قلاع الديمقراطية، والحق أننى من خلال قراءاتى فى تاريخ الاستعمار الإنجليزى فى ما وراء البحار أرى غير ذلك تماماً.
والحق أن تاريخ الأسرة الحاكمة فى بريطانيا يؤكد أن التاج البريطانى ليس إلا أضحوكة، يختار الشعب البريطانى إحدى الأسر ويعطيها من أمواله الكثير ويرسم لها حدود سلطاتها بحيث تحتفظ هذه الأسرة بما يُسمى التقاليد والأعراف الملكية، بينما تتولى حكومة الشعب الحكم فى الداخل والخارج.
وهذا، لعمرى، أجده عبئاً لا بعد منه عبء أن تتحول أسرة إلى ما يشبه عصفوراً فى قفص بينما تترك السلطة والحكم والسياستين الداخلية والخارجية إلى الشعب، ولذلك أرى أن «تيريزا ماى» (رئيسة الحكومة الحالية) لا تختلف عن «كاميرون» الذى تولى الحكومة قبلها، وهذا يشبه إلى حد كبير «تونى بلير» الذى ضرب المثل فى السير معصوب العينين وراء أمريكا إلى حد أن بعض الصحف الإنجليزية أشارت له فى حينه بأنه كلبٌ وفىٌّ لسيده فى البيت الأبيض.
أقول ذلك مندهشاً من استغراب البعض عندما علم أن «تيريزا ماى» قد وافقت -بسهولة- أمريكا لتكون ضمن العدوان الثلاثى الغاشم الذى ضرب سوريا العربية الشقيقة.
والحق أن مصائب الدنيا القريبة والبعيدة لم تكن لتتحقق إلا بتدخل بريطانيا التى يقولون عنها -وياللعجب- بريطانيا العظمى، فالمشكلة الحدودية بين البحرين وجيرانها والخلاف مع إيران وصولاً إلى سد النهضة فى إثيوبيا ثم الخلاف بين السعودية ودويلة قطر، ناهيك عن مشاكل السودان مع مصر، إذا بحثت عن أصول الخلافات ستجد أن حكومات بريطانيا المتعاقبة كان لها الدور الأكبر فى مثل هذه الخلافات التى قد تصل إلى حالات الحرب المرهونة!
الغريب والعجيب أن أحداً منا لا يتحدث عن الدور البريطانى فى إشعال هذه الخلافات الحدودية المؤجلة، ويتحدثون فقط فى بلادنا عن التاج البريطانى وكأنه منحة من السماء للعالم، مع أنه نقمة لا حدود لها، فبريطانيا لا تُضمر للعالم إلا كل الشر مثلما قال شكسبير: «إن بريطانيا هى الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس»، وتحولت هذه المقولة لتصبح «الإمبراطورية التى لا يغيب عنها الحقد»!
وعلى ما يبدو أن بريطانيا تكره أن تؤطرها القوانين وتود أن تتعامل مع دول العالم كما يحلو لها، ولهذا انسحبت من الاتحاد الأوروبى لسبب واهٍ وضعه كبار السن باسم التقاليد والأعراف.
بريطانيا تحلم بأن تعود لزمن الاستعمار، لكن للأسف تعتمد على الكذب والنفاق فى العلاقات الدولية، وكلنا يذكر أن «تونى بلير»، رئيس الحكومة البريطانية الأشهر، اعترف بأنه كذب على العالم قبيل مشاركته أمريكا لاحتلال العراق.
العالم يرفض بريطانيا واستعمارها الغاشم، فالزمن لم يعد يعتمد على من يبرع فى أن يمخر العُباب وإنما يعتمد على دول أخرى ليس من بينها بريطانيا التى كانت يوماً عظمى والآن أصبحت بريطانيا الكاذبة.