أعترف أننى أجد صعوبة ليست بالقليلة حين أتعامل مع الكتب الدراسية لبناتى اللاتى لم يتجاوزن المرحلة الإعدادية.. بل إننى أتوقف أكثر من مرة وأنا أقرأ ذلك الدرس العلمى فى كتاب «العلوم» -التى يعرفونها بالـscience- الخاص بهن قبل أن أشرحه لها كما تطلب منى بخبث ابنتى الصغيرة.. وهى تشير إلى أننى باعتبارى أستاذاً بكلية الطب.. فحتماً سأتمكن من شرح الدرس بشكل أفضل من أى مدرس فى مدرستها..!
والحقيقة -وعلى الرغم من إجادتى للغة الإنجليزية بحكم مهنتى وتعدد أسفارى لخارج البلاد- إلا أن الأمر لا يقترب من قليل أو من بعيد بدراسة الطب.. أو حتى بلغة التعامل اليومى التى أستخدمها فى السفر.. فالدروس العلمية فى تلك الكتب تمتلئ بالمصطلحات المعقدة التى لا يشترط أصلاً أن يعرف معناها كل من يجيد الإنجليزية.. لكل هذا فقد تحمست كثيراً لمشروع وزارة التعليم الجديد بتعريب الدراسة فى المدارس الحكومية والتجريبية عبر المرحلة الابتدائية بالكامل.. فقد كنت أشفق على هؤلاء الأطفال الذين يجبرون على أن يستذكروا «العلوم» بالإنجليزية.. فى عزلة تامة عن لغتهم الأم.. وبقسوة لا يمكن تجاهلها على عقولهم التى لم تنضج بالقدر الذى يجعلها تتمكن من ترجمة كل كلمة للعربية لفهمها أولاً.. لقد تخرجنا جميعاً من مدارس عربية خالصة.. البعض منا كان الحظ حليفه فالتحق بمدرسة من تلك المدارس التى كانت تدرس الإنجليزية كلغة ثانية فى المرحلة الابتدائية.. والبعض الآخر منا بدأ فى التعرف عليها فى المرحلة الإعدادية.. وفى الحالتين تعاملنا جميعاً مع اللغة الإنجليزية كـ«لغة» فحسب.. لم نعتبرها أسلوب حياة.. ولم تدخل فى تشكيل ثقافتنا وهويتنا قط.. كلنا تلمسنا طريقنا فى الحياة ونحن نقرأ العربية فقط.. نتذوق لغتنا الجميلة فى كل حرف نجده فى مناهجنا الدراسية أو حتى فى مجلات الأطفال التى لا أعرف أين اختفت واختفى دورها من حياة هذا الجيل.. كلنا تعلمنا بالعربية.. وصرنا أطباء ومهندسين ومدرسين.. وصار كل منا متمكناً فى لغة واثنتين بل وأكثر.. كل هذا دون أن نستذكر الـmath بدلاً من الرياضيات.. أو الـscience بدلاً من «العلوم»!!
الطريف أن قرار الدكتور طارق شوقى لم يتطرق إلى «تعريب العلوم».. وإنما اختص «بتعريب التعليم».. والفارق بينهما كبير.. ويدركه جيداً كل من يحاول مهاجمة الرجل الآن دون سبب مقنع واحد.. بل وينتهى من هجومه الشرس.. ليستمر فى نقد النظام الذى لا يحاول تطوير التعليم الذى هو أساس التقدم لأى بلد!!إن من يهاجمون قرار السيد وزير التعليم بإلغاء نظام اللغات فى المرحلة الابتدائية هم أنفسهم من يملأون الدنيا صراخاً بأن الأجيال الجديدة تفتقد هويتها الحقيقية.. وأن الثقافات الغربية قد طغت على عقول أبنائنا.. بل حتى حجتهم الجديدة بأن القرار سيرفع من مصروفات مدارس اللغات الخاصة يعد مضحكاً.. فالرجل لم يطلب من أحد أن يتوجه للمدارس الخاصة.. بل إنه يطلب العكس تماماً.. يطلب أن يتعلم أولادنا كما تعلمنا جميعاً.. ربما كانت الرؤية المطروحة أشمل من أن تستوعبها عقول اعتادت على التعامل بمنطق «اللى نعرفه أفضل مما لا نعرفه».. ولكننى أثق أن التطور المنشود لن يتحقق إلا بالخروج على النص.. واستحداث نظام جديد نأمن على أولادنا وهويتهم المصرية من خلاله.. نظام مبنى على الاستيعاب لا التلقين.. على الفهم والتفاعل وليس الحفظ والتسميع.. نظام يحمل لنا من جديد مادة تعرف «بالعلوم» ومادة أخرى تسمى «الرياضيات» بدلاً من الـMath والـscience.. نظام يضمن لى أن أستوعب ما تطلب منى ابنتى أن أشرحه لها بشكل أكثر سهولة.. أو أقل إحراجاً..!
استقيموا يرحمكم الله..