عاد الجدل مرة أخرى بشأن الشيخ الشعراوى، بعدما وصفه أحد أساتذة كلية التربية بجامعة المنوفية بالدجال، فى كتابه المقرر على طلبة قسم التاريخ، وعنوانه: «دراسات فى تاريخ العرب المعاصر»، وانتقل الخلاف إلى خارج الجامعة فى تقييم الشيخ ما بين محب مفرط ساذج، ومبغض مفرط كاره.
وقبل كل شىء يجب التأكيد على أن حرية البحث العلمى مكفولة، وأن الدكتور مؤلف الكتاب من حقه أن يقول ما يريد، لو أنه دعَّم وجهة نظره بأدلة علمية، لكن هذا ما لم يحدث، فقد وصف الشعراوى بالدجال دون أن يبين أسباب وأدلة كلامه، فسلك مسلك المتطاولين المستخفين، وخلط النقد البناء بالشتائم والسخائم، وولغ فى عرض عالم من علماء الإسلام دون أن يصطحب معه الدليل، فهذا حكم متسرع ليس له ما يسوّغه.
وفى المقابل هناك من بالغ فى مدح الشيخ مبالغة شديدة، فنظر إليه نظرة نبوية، ورد كل كلامه إلى الفتوحات الربانية والعلم اللدنى، فقد كتب حسن دوح قديماً وفى أهرام 20/ 6/ 1998م يقول: «إننا وجدنا فيه الشيخ مالك والشافعى، ووجدنا فيه البخارى ومسلماً وابن ماجه والنسائى»!! وهناك من كتب فى الأهرام يقول: «إن الشعراوى متابع جيد لكل تفاصيل الاقتصاد والعلوم الحديثة ومنجزات التكنولوجيا»، وهناك من قال: «إنه أتى بما لم يأت به الأوائل»، وكل ذلك دروشة مفرطة فى تقييم الرجل والحكم عليه، فالشيخ -رحمه الله- لم يكن محدثاً ولا فقيهاً، ولم يكن يجيد إلا لغة واحدة.
ومن أفضل الكتابات المعتدلة فى تقييم الشعراوى ما كتبه العلامة محمود الطناحى فى مقالين نشرهما بمجلة الهلال أغسطس 1998م، ومجلة العربى نوفمبر 1998م، قال فيهما كلاماً متزناً من أن الشعراوى عالم كبير، جاء على حين فترة من العلماء الضابطين، ومثل صورة زاهية للعالم الأزهرى المؤسس على علوم اللغة وقوانينها، مع عناية بها فى مستوياتها الأربعة: أصواتاً وصرفاً ونحواً ودلالة، واستظهار معجب للشعر العربى فى عصوره المختلفة، مع تعلق شديد بالقرآن وعلومه، ثم إن الشيخ الشعراوى واسع الاطلاع والحفظ، غزير الرواية، سريع الملمح، ذكى اللسان، اشتغل بكتاب الله وبتصوفه عن مخالفيه، وفتح الله له الكثير من أسرار القرآن.
هذا وقد وقع الشعراوى فى بعض الزلات، كأن صلى ركعتين شكراً لله بعد هزيمة 67، وقوله فى حق السادات: «لا يُسأل عما يفعل»، وتلك زلات لا يُعتذر عنها مهما كانت الأسباب، بل ينبغى الاعتراف بخطئه فيها.
فى المقابل بُليت الأمة بأشخاص كانوا خنجراً طعنوا به الأمة، وانتشر بسببهم الانحراف الفكرى والصدام والتكفير، ووجدوا من يرفعهم إلى عنان السماء، ويقيم حولهم ندوات التبجيل والتعظيم، وأمثال هؤلاء فى حاجة إلى من يبين للناس حقيقتهم، ويزيل الهالة التى نصبها أتباعهم حولهم، ونموذج ذلك: حسن البنا، وسيد قطب، ورشيد رضا، والألبانى، وأما الشعراوى فهو نموذج يمثل موضع فخر واعتزاز.