فى أواخر العام الماضى ألقى رجال هيئة الرقابة الإدارية بالدقهلية القبض على أحد المسئولين بأملاك السكك الحديدية بتهمة الرشوة! التفاصيل تقول إنه منح صاحب إحدى المدارس الخاصة أراد ضم أراض ملك الهيئة ما يفيد أن الأرض لا تتبع السكك الحديدية! وبالطبع أهالى المنصورة وحدهم هم الأقدر على تقييم وتقدير سعر متر الأرض هناك!
قرية تقريباً بالكامل أقامها الأهالى على أملاك الهيئة بحى التونسى على طريق الأوتوستراد، ورغم تخصيص وحدات سكنية للأهالى فإن ألفى أسرة تعيش على أملاك الهيئة، وأهالى السيدة عائشة والمقطم والقطامية هم الأقدر على تحديد سعر متر الأرض بهذه المنطقة!
حى الزهور بالزقازيق واحد من أكثر أحياء الشرقية ارتفاعاً فى أسعار الأراضى، حيث يصل المتر الواحد إلى مبالغ خيالية، إلا أن الأهالى فوجئوا، فى فبراير من العام قبل الماضى، بقيام بعض الأهالى بالاستيلاء على أملاك السكك الحديدية، خصوصاً الواقعة بين شارع المدير وشريط القطار، وهى بعرض 25 متراً أى مغرية للاستيلاء عليها ما دامت لا يحميها أحد!
الأمثلة كثيرة جداً، من المائة محل بشارع خالد بن الوليد بطنطا التى كانت الهيئة لا تحصل إيراداتها، وبما أثبته الجهاز المركزى للمحاسبات قبل فترة إلى تعديات مزلقان غمرة!
هل الأمثلة السابقة إن تم إصلاح ما جرى فيها كافية لتوفير موارد ضخمة للسكك الحديدية؟ بالطبع لا.. إنما هى نماذج من بين عشرات النماذج التى تؤكد حجم الطمع فى أراضى السكك الحديدية، وبما يعنى أن الهيئة تمتلك من الأراضى ما يجعلها محل طمع.. فما حكاية أراضى هيئة السكة الحديد؟!
لمن لا يعرف فالهيئة تمتلك أكثر من 191 مليون متر مربع بكافة أنحاء الجمهورية! الرقم خرافى، ولكن لكى نفهم كل ما يدور حول هذا الرقم نقول إن الرئيس مبارك أصدر عام 2005 القرار رقم 114 الذى قرر فيه إنهاء كل إجراءات تخصيص أراضى الهيئة للغير، وأن تعود أراضى الهيئة لها، أو تحديداً «إعادة تخصيص تلك الأراضى للهيئة مجدداً لاستغلالها بذاتها أو عن طريق أى من شركاتها فى المشروعات الاستثمارية التى تستهدف تنمية وزيادة مواردها»! وهو ما لم يحدث حتى الآن، ونقف أمام كلام متضارب كله مقنع، وهو ما يحتاج إلى دراسة وافية لا يقدر عليها إلا جهتان، الأولى هى لجنة النقل بالبرلمان أو لجنة مستقلة يشكلها مجلس الوزراء أو وزير النقل تضم أساتذة من كلية الهندسة وهيئة المساحة والإدارة المحلية! فهذه الأراضى ممتدة بطول مصر وعرضها، فمثلاً تضم 7.1 مليون متر بمنطقة شمال الدلتا بالمنصورة، و26.72 مليون متر بمنطقة شرق الدلتا، بالزقازيق و15 مليون متر مربع بمنطقة وسط الدلتا بطنطا، و13 مليون متر بالمنطقة الوسطى بأسيوط و37.8 مليون متر بالمنطقة الجنوبية بأسوان، فضلاً عن أراضٍ داخل أحياء راقية، منها كورنيش النيل بطريق شبرا، وكذلك فى المعادى من بين 48.2 مليون متر مربع بالمنطقة المركزية بالقاهرة!
فمثلاً.. وزير النقل الحالى الدكتور هشام عرفات يعترف بأن 40% من أراضى الهيئة معتدى عليها، وأن من بين 6071 حالة أزيلت 3071 منها، لكن تقارير أخرى تقول إن هذه الـ40% تصل قيمتها إلى 152 مليار جنيه لو قُدر المتر الواحد منها بألفى جنيه فقط! فى حين يرد أحد رؤساء الهيئة السابقين بأن 188 مليون متر من هذه الأراضى هو حرم شريط السكك الحديدية وورش الهيئة وهى لا تصلح للبيع أو الاستغلال ويتبقى منها الـ3.5 مليون متر فقط صالحة لذلك! إلا أن المهندس عاطف عبدالحميد، وزير النقل الأسبق ومحافظ القاهرة الحالى، قال عنها إنها كفيلة بتدبير أموال إصلاح السكة الحديد دون الحاجة إلى موازنة الدولة أو الاقتراض، بينما يقول شريف عبدالله، رئيس الشركة المصرية لمشروعات أراضى السكة الحديد والنقل، إنه يجرى بالفعل استثمار هذه الأرض، وإن هناك خطة لعام 2030 وإن الشركة حققت فى عام أرباح استثمار بلغت 1000%!! فمن نصدق إذاً؟!
لكن من كلام شريف عبدالله نلتقط الخيط ونقول إن هيئة يمتد وجودها إلى ما يقرب من 10 آلاف كيلومتر ولا تستطيع استغلال هذا الامتداد فى مشروعات إعلانية بينما شركات أخرى تملأ المساحات ذاتها فى أماكن قريبة فنحن إذاً أمام تقصير.. كما أن حرم بعض المحطات تحوّل بالفعل إلى محلات، فلماذا لا تدار الأمور بشكل اقتصادى وتعمم فى كل المحطات؟ ولدينا فيما جرى فى محطة سيدى جابر مثال مهم، كما أن إهمالاً جسيماً يطول بوفيهات وكافتيريات أغلب محطات مصر، فى حين كان يتم ذلك بمناقصات شهيرة فضلاً عن الإهمال غير المبرر للدوائر التليفزيونية داخل القطارات رغم أنها تقدم خدمة يدفعها الركاب، ومع ذلك يمكن استغلالها إعلانياً بشكل أفضل من ذلك بكثير!
كثيرة هى الأفكار، ومتعددة هى البدائل، ولكننا لن نراها ما دمنا نستسهل رفع الأسعار. ونتذكر أن المهندس عرفات قال إن المترو يخسر فى حدود 50% تقريباً. ومثلاً فإن عدد التذاكر يصل إلى مليار سنوياً بينما الخسائر تقترب من 500 مليون. ولذلك فعندما نضاعف التذكرة سيتم تغطية العجز وزيادة، فلماذا نفكر فى رفع التذكرة من جديد؟ وإن كان نظام السعر حسب عدد المحطات هو الأكثر عدلاً، فلماذا لم نطبقه من الأول؟ الإجابة: لأن رفع السعر هو الحل الأسهل والأسرع بينما يدور الجدل حول البدائل التى لو وفّر مسئولو المترو والسكك الحديدية تصريحاتهم العام الماضى كله لخلق البدائل وتفعيلها لتغير الحال!
ها نحن فكرنا بالأرقام مع وزير النقل الذى لا ننكر جهده فى الارتقاء بخدمات الوزارة فى هذا الشأن وآخرها الضربة القاصمة لمافيا التذاكر باستخدام الفيزا للحجز.. ربما نكون أخطأنا، وربما هناك معلومات لا نعرفها.. لكن حتى ذلك كنا نتمنى أن يتم قبل الإعلان عن رفع أسعار التذاكر.. فربما!