(كان يجلس أمام الشاشة يشاهد مباراة كرة القدم الساخنة .. يترقب كل لعبة .. ينتظر هدف فريقه .. تضيع الأهداف متتالية .. يزداد حماسه وتركيزه متجاوزاً صوت المعلق وكل حكاياته ... فجأة .. يأتى الهدف القاتل .. فرحة عارمة وقفز وهتاف .. تصفيق بكل قوة .. والمعلق فرحاً "جوووون ... عملها أخيراً ... ذا ماستر أوف ساسبينس ... سيد التشويق والإثارة والمواقف الصعبة" ... صدمة مفاجئة وذهول .. وانتقل التصفيق إلى الوجه من فرط الصدمة .. ومازال المعلق فرحاً ومهللاً يعيد جملته بثقة متناهية .. ومازال هو مصدوماً فمه مفتوحاً ودموعه تتساقط .. يتمنى أن ينتهى العالم الآن ..............) ــ من مذكرات مشاهد بائس.
ليس مشهداً درامياً ولا حتى حدوتة ما قبل النوم ولكنه حادثاً مروعاً تتعرض له فى كل مرة تشاهد فيها مباراة يعلق عليها صاحب هذه الجملة الهلامية التى استحضرها بترجمتها من عالم موازٍ لا يمت بأية صلة لقواعد عالمنا تصنف فيه جملة هذا المعلق الدخيلة والتى تضرب من يصيبه فى مقتل "ذا ماستر أوف ساسبينس" سلاحاً لغوياً محرماً دولياً!
لا اختلاف أو حتى مجرد شك أن التعليق الرياضى يمر بأزمة شديدة تضربه بقوة ظهرت بوضوح بعد اختفاء قامات ورموز التعليق برحيلهم عن الحياة الواحد تلو الآخر حتى خلت الساحة منهم تماماً فدائماً عندما يُذكر "معلق رياضى" يقفز إلى ذهنك مباشرة "على زيوار – لطيف – ميمى الشربينى – حمادة إمام" فقد نجحوا فى صناعة تاريخ كبير وشكلوا وجدان وذكريات أجيال متعاقبة بأصواتهم وأسلوبهم وأدائهم وثقافتهم الرياضية والكروية بالأخص التى يجب أن تضع تحتها مئات الخطوط وتحيطها بمئات أخرى من الدوائر.
الأصل فى وجود المعلق الرياضى أن ينقل لك المباراة بكل تفاصيلها ومعلوماتها فتجلس أمام الشاشة تكمل استمتاع المشاهدة بوصف المباراة ونقل أحداثها وشرح ما يجرى على أرض الملعب وأيضاً تحليله ومعلومات تخص المباراة ولا مانع من خفة الظل المحمودة التى تضيف حالة لهذا التعليق إلا أنه ومنذ سنوات بدأ الانحراف والخروج عن النص وبدأ التعليق الرياضى يأخذ شكلاً مختلفاً فبدأ بـ "حكايات 1000 ليلة وليلة" وسط أحداث المباراة التى لا تربطها بها أية علاقة على الإطلاق مروراً بالأخطاء الكارثية سواء المعلوماتية أو التعليقية ثم اصطناع الـ "إيفيهات" التى تغتال المشاهد فور انطلاقها وصولاً إلى الطامة الكبرى بـ "إنجليزى العشوائيات" على الهواء مباشرة بل واستمراره وتكراره فرحاً دون رقيب أو ظهور أى صوت ينبه على تلك السقطة وهو الأكثر غرابة ودهشة ليتم اختطافك وتتوه بعيداً عن الهدف الرئيسى من متعة المتابعة ممن يجلس على كرسى التعليق الرياضى تائهاً من الأساس ولا يعرف مهمته الرئيسية تحديداً فإن سألته "شغلتك عالكرسى إيه" سيرد ... "بوروروم"!
حالة السقوط المستمر التى يعانى منها التعليق الرياضى جعلت المشاهد يلجأ كثيراً لغلق الصوت المنفر ويكتفى بالمشاهدة صورة فقط وفى حالة وجود قناة صوتية أخرى أو محطة مختلفة تستعين بمعلق عربى شقيق يهرب إليه المشاهد لينقذه من وصلات الـ "عك" التى تزيد عليه من الضغط النفسى فوق ضغط المباراة ما يظل يؤلمه حتى بعد انتهاء المباراة ويترك له "بعبع" ينتظره فى المباريات القادمة.الحقيقة أن كادر التعليق الرياضى يعانى من إهمال وتقاعس شديدين فعندما تشاهد مباريات أوروبية وتستمع إلى التعليق عليها حتى وإن لم تتفهم لغته إلا أن الأداء يجعلك تشعر بالحسرة وخيبة الأمل فيما يجرى على شاشاتنا الرياضية ويجعلك تتساءل عن المقومات التى يتم على أساسها اختيار المعلق الرياضى .. فالمذيع أو المراسل لهما صفات وأساسيات وقوالب معينة يتم القياس عليها ومنها تكون بوابة المرور إلى الشاشة بالرغم من تجاوز تلك المعايير مؤخراً ولكن فى النهاية توجد معايير لهذه المهنة أما التعليق الرياضى فما هى معاييره؟ ... الإجابة أيضاً ستكون "بوروروم"!
على الساحة كاملة لا يوجد معلق رياضى له قيمته وتتلهف لمتابعة مباراة ينقلها سوى "مدحت شلبى" الذى نجح أن يصنع من نفسه حالة خاصة واستثنائية سواء تتفق أو تختلف فهو من يمتلك هذا الكرسى منفرداً بحالته الـ "شلبوكية" حتى وإن هربت منه فى بعض الأحيان قليلاً لكنه يظل مسيطراً دون منافس ثم يأتى "أحمد شوبير" بخبراته الكروية الطويلة وأسلوبه المميز فى المباريات القليلة التى ينقلها .. دون ذلك تبحث عن الهواء فى الهواء.
أعتقد أن التعليق الرياضى أصبح فى ضرورة ملحة لإنشاء مراكز ودورات خاصة فى تأهيل كوادر تستطيع أن تقوم بالمهمة باحترافية مثلما يتم تأهيل المذيعين والمراسلين فوجود "ورش إعداد" متخصصة فى "المعلق الرياضى" ستصنع فارقاً كبيراً وتعطى له ثقلاً سينعكس على نقله للمباراة وبالتالى على صورة المباريات ذات التعليق المصرى الذى تراجع بشدة خلف التعليق من الدول العربية الشقيقة وأصبح مزعجاً و"يكسف" خاصة بعد لجوء البعض لتقليد اللهجات من باب الارتقاء أو "الاستظراف" ليتحول من معلق إلى "مونولوجست درجة تالتة" فتنعدم هوية التعليق الرياضى المصرى ويصبح تواجده عبئاً نفسياً ثقيلاً ومحرجاً وهو ما سيظهر بشكل أكبر فى التعليق على مباريات كأس العالم!
أيضاً لا يوجد ما يمنع من اكتشاف مواهب جديدة فى التعليق الرياضى فى مهمة محددة فكشاف المواهب لا يجب أن يتوقف عند اللاعبين فقط ولكنه يحتاج أن يتجاوز ذلك فى البحث عن موهوبين فى التعليق الرياضى يستطيعون صنع بصمة صوتية وأدائية وسط هذا التطور السريع والمتلاحق فحتى هذه اللحظة لا تستطيع أن تنقل مثلاً مباراة بـ 2 معلقين مثل المباريات الأوروبية لأنه وبهذا المستوى قد تنفجر الشاشة بعد أول 10 دقائق!
الحقيقة المؤسفة والتى يجب أن نواجهها هى أن التعليق الرياضى يقف فى مفترق الطرق فى محنة حقيقية يبحث عمن ينقذه ويصنع له معلق رياضى محترف واجهة له هوية وجاذبية يعطى للمهنة واللقب ثقلاً حقيقياً يتخطى به كبوته .. يتخطى به أزمته ..... يتخطى به "ذا ماستر أوف بوروروم".