إذا كان السؤال هو: «ما أكثر ما تحتاجه مصر فى اللحظة الراهنة؟» فإن الإجابة هى أننا نحتاج لـ«صناعة الأمل».. إننا نحتاج لأن نرى المستقبل مرسوماً أمامنا، وأن نعرف أن هناك مستقبلاً أفضل ينتظرنا بعد سنوات من الجهود المخلصة فى تثبيت الدولة أولاً، ثم فى الإصلاح الاقتصادى ثانياً، لقد توقف الإعلام فى مصر مؤخراً عن أن يلعن الظلام، لكنه لم يشعل للناس شمعة حتى الآن.
إن الإعلام ومعه كل من يمكن أن يطلق عليهم (صناع الخطاب)فى مصر عليهم أن يساعدوا المصريين على أن يروا الصورة كاملة لا مجتزأة، وأن يروا الكل وليس الجزء، وأن يروا المستقبل، وليس الحاضر بخطواته الصعبة والضرورية.
إننا نفتقد فى صحفنا القومية ووسائل إعلامنا لمن يملك الجاذبية والقدرة على أن يشرح للناس فلسفة الإصلاح الاقتصادى، والحكمة من رفع الدعم عن الجميع حتى لا يستفيد بالدعم القادرون والموسرون، وهو ما يحدث كثيراً فى مصر، ومن الإكيد أننا فى حاجة لمن يطرح علينا تجارب لدول أخرى نجحت فيها تجارب الإصلاح الاقتصادى وقادتها من حال إلى حال، ونحن فى حاجة أيضاً لمن يقترح وسائل لتخفيف الضغط عن الفقراء، والطبقات الأكثر احتياجاً على غرار ما حدث فى مشروع تكافل وكرامة.. إننا فى حاجة لمن يغلق الباب أمام المزايدين ومحترفى التسخين، وتجار السخط العام.. وفى حاجة أيضاً لمن يملك القدرة على التفرقة بين السخط الذى يفتعله هؤلاء فى كل مناسبة، وبين حالة الغضب التى يمكن أن يشعر بها مواطن عادى وجد أن دخله لن يناسب الزيادات الجديدة فى الأسعار.. إن أحداً لم يطالب شركات القطاع الخاص (وبها ٧٥ فى المئة من إجمالى العمالة المصرية) من أن تلتزم برفع مرتبات موظفيها والعاملين لديها بنسبة معقولة، فى حين أن مثل هذه الدعوة تبدو منطقية، وتخفف الضغط عن الدولة المصرية فى وقت نحتاج فيه جميعاً لتخفيف الضغط عنها.
لقد ورث الرئيس السيسى ميراثاً سيئاً، حيث تولى الحكم بعد ما يقرب من أربع سنوات من الفوضى الأمنية، وانهيار الصادرات، وتآكل الاحتياطى، وتراجع نسب النمو الاقتصادى، وقد تصدى الرجل بشجاعة لمهامه، فأعاد تثبيت أركان الدولة، وأنجز مشروعات طموحة للبنية التحتية، والطرق، وحارب الفساد، وخاصم النخب التى لوثتها أدرانه قدر ما استطاع، وأقدم على إجراءات صعبة بنية إصلاح ما تأخر إصلاحه لسنوات طويلة، وهذه كلها خطوات تاريخية شجاعة تحسب له بلا شك، لكن ما يحتاجه الناس فى مصر، وما لا يفعله الإعلام هو أن يرسم للناس صورة للمستقبل.. فلا شك أن مشروعات البنية العملاقة هذه كلها ليست سوى تمهيد للأرض أمام مرحلة من الاستثمارات الأجنبية والعربية والمصرية، ولابد أن للدولة المصرية خطة ما للمستقبل، ورغم أنه من الخطأ المبالغة فى رفع درجة توقعات الناس للمستقبل، إلا أنه من الخطأ أيضاً أن نتوقف عن صناعة الأمل، لقد اجتازت مصر مخططاً كان مرسوماً لها، وحافظت بفضل جيشها ووعى شعبها على كيان الدولة المصرية، وانطلقت فى خطة طموحة للتنمية، وحقق اقتصادها خطوات ناجحة فى طريق التحسن، وهى كلها مقومات ناجحة لصناعة الأمل.. لكننا ما زلنا فى إعلامنا نحتاج لمن يملك القدرة على صناعة الأمل وتقديمه للناس.