- تواصل ريجينا صنيفر ببراعة قص حكايتها كمقاتلة فى ميليشيا القوات اللبنانية فى كتابها الرائع «ألقيت السلاح»، فتقول: بعد انتخاب بشير الجميل رئيساً للبنان كان يثير العجب بشعبيته ومواقفه، كانوا يهتفون ويهللون له لأنه أعاد فكرة سيادة واستقلال لبنان، ولكن فرحنا كان قصيراً إذ قتل فى انفجار ضخم، لم نصدق الفاجعة، أصابع سوريا فيه واضحة، حل اليأس محل فرحة ونشوة الانتخابات، وبعدها دخل الجيش الإسرائيلى إلى بيروت الغربية، وبعدها قُتل المئات من المدنيين الفلسطينيين فى مخيمات صبرا وشاتيلا على أيدى ميليشيات الكتائب تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلى، لم تأت الطائفة المسيحية بأى ردة فعل تدين بها المذبحة، بعضها أخذ يبرر بصوت خافت فظائع مجزرة المخيمين مذكراً بالمآسى التى كابدها مسيحيو لبنان وآخرها اغتيال بشير.
- جاء أمين الجميل شقيق بشير ووقع معاهدة سلام مع إسرائيل، قررت ميليشيات الكتائب استغلال وجود الجيش الإسرائيلى لبسط سيطرتها على جبل الدروز الذين اعتبروا احتلال الكتائب للجبل مثل الاحتلال الأجنبى، فقاتلوا بشراسة فأوقعوا مئات القتلى والجرحى، كنا نودع القتلى فى جنائز مهيبة كل عدة ساعات.
- رحل الجيش الإسرائيلى فرجحت كفة الدروز وعاونهم السوريون، انهزمت الكتائب وحدثت مجازر للقرى المسيحية على أيدى الدروز، جعجع يتحمل مسئولية قرار اقتحام جبل الدروز بما تبعه من مآس.
- تحول أمين الجميل إلى سوريا ومعه بعض قادة القوات اللبنانية الكتائبية، شعر المسيحيون والكتائب بغصة شديدة، كانوا يسمونه «بيلاطس» قالوا «كيف تتحول سوريا العدو لنا إلى حامى؟»، ألغى أمين الجميل المعاهدة الإسرائيلية اللبنانية، بحث المسيحيون عن قائد مسيحى ملهم جديد، وجدوه فى جعجع، فكرت كاتبتنا أن لبنان هو قطعة من الغرب وليس من العرب، وأن ذلك أفضل للمسيحيين فيها.
- أحبت كاتبتنا شاباً اسمه «غسان» كان تابعاً لميليشيا إيلى حبيقة الذى تفاهم وآخرون مع سوريا رغم رفض الكتائب، كانت مع جعجع وحبيبها فى الطرف المسيحى الآخر، كادت تحذره من القبض عليه، خافت من الأمرين معاً، هرب حبيبها من الاعتقال فى آخر لحظة.
- سلم نفسه لرفاق الأمس أعداء اليوم، حاولت أن تساعده أو تطلق سراحه أو حتى تأخذ وعداً بعدم تعذيبه أو إيذائه دون جدوى.
- قالت لسجانيه: لماذا لا تخرجونه؟ قالوا لها: طالما جعجع فى السلطة لن يخرج، هذا منطق السلطة، قالت لهم: لقد قاتلوا وضحوا بحياتهم معنا من قبل، كيف تعاملونهم بهذا الشكل؟ قالوا لها: لا تكونى ساذجة، إذا لم نضعهم فى السجن لوضعنا نحن مكانهم.
- كانت نقطة المراجعة عندما دخلت على حبيبها ورفاقه وزارتهم فى سجنهم، فرأت فى زنازينهم كل ألوان الذل والتعذيب، لم يتقبل عقلها هذا الأمر.
- بدأت تراجع مسيرة حياتها منذ انضمامها للكتائب، صدمت حينما قال لها أحد المقربين من جعجع «الإبقاء على رجال قيد الاعتقال فيه حرج، أما الجثة فلا تحمل توقيعاً»، لقد قتلنا البعض وأوثقناهم وقذفنا بهم إلى البحر.
- استقالت من الكتائب، أعادت النظر فى كل قناعاتها، قالت لنفسها: لقد فسرنا الإنجيل بما يتلاءم مع قناعاتنا، لقد أرادت الميليشيات أن تضع لنا مصير شعب ودولة على مقاسهم.
- بعد خروج حبيبها «غسان» من السجن انعزل تماماً عن الحياة، سافرت لفرنسا وكتبت هذا الكتاب البديع، حكت تجربتها كاملة بإنصاف وصدق.
- عادت فى زيارة للبنان مع أسرتها بعد عشرين عاماً لتسمع قائد ميليشيا شيعية يقول: «الصراع الحالى هو أشرف معارك العصر الحديث بل أشرف معارك التاريخ»، أدركت أن التاريخ يعيد نفسه، وأن الجميع يتصور أن معاركه وصراعاته هى أشرف المعارك.
- ختمت كتابها بقولها: لن تمر الحرب عبرى بعد الآن فأنا قد ألقيت السلاح نهائياً واستشهدت بكلمة غاندى «ارمى سيفك ولن يتمكن الخوف منك أبداً».
- آه يا ريجينا صدقت والله فنحن دوماً نغلف صراعاتنا وشهواتنا ورغباتنا بالمثل العليا من الدين أو الوطنية لنهب هذه الصراعات قداسة لا تستحقها، ترى ماذا لو راجع الجميع نفسه مثل «ريجينا» وحكى قصة مراجعته للناس تحت أى عنوان مثل «ألقيت السلاح» أو «ودعت العنف» أو «طلقت الكراهية»، فطوبى لصانع السلام.