من المحتمل جدًا أن الفكرة التي خطرت لك قد خطرت في بال شخص آخر في مكان آخر وربما زمان آخر.
هذا لا يقلل من عبقريتك الفذة ولكن دعنا نعترف أن العالم مليء بأناس على نفس الدرجة من العبقرية وربما أكثر. فلك أن تتوقع حين تبدأ في تنفيذ فكرتك (سواءً كتابتها- رسمها- عزفها- بنائها - خياطتها-طهوها....حسب نوع الفكرة) أن هناك من خطرت له نفس الفكرة وربما قام بتنفيذها كذلك وربما قبل أن تفكر أنت فيها.
ولكن دائمًا ما يكون هناك فوارق ولو بسيطة، إحتمالية التطابق واهية جدًا، لابد من كلمة مختلفة، تفصيلة متفردة، درجة لون.
أما في حالة التطابق التام فمسمى "توارد خواطر" لا ينطبق في هذه الحالة بل هناك مسميات أخرى نعرفها جميعًا.
حدث لي موقف في الكلية، كنت وزميل لي نقوم بكتابة قصائد ساخرة بالعامية ننشرها في معارض الشعر بالجامعة ونلقيها في الندوات وتجمعات الأسر الطلابية مما منحنا درجة طفيفة من الشهرة داخل أروقة الكلية، بعد ندوة لأسرة طلابية كانت ترعاها شركة أدوية كالمعتاد، جاءنا مندوب من شركة الأدوية وأثنى على موهبتنا ثم سألنا: ألم تفكرا في الاستفادة من موهبتكما؟
فنظرنا له في دهشة فقال: أجل يمكنكما الاستفادة جدًا منها، الإقبال على هذا النوع من القصائد كبير وأنتما بالفعل موهوبان.
ثم ألقى إلينا بعرضه: الشركة لديها دواء جديد متوقع له أن يكتسح السوق ولكن نحتاج له دعاية قوية، ما رأيكما أن تكتبا قصيدة عنه؟
فوافقنا على الفور فأعطانا ورقة بها اسم الدواء ومعلومات عن دواعي استخدامه والجرعات وخلافه.لم نعد لمنزلينا في ذلك اليوم إلا بعد انتهائنا من كتابة القصيدة وسلمناها لمندوب الشركة في اليوم التالي الذي انبهر بالقصيدة وبسرعة كتابتها ووعدنا أنه سيعرضها على رؤسائه وإن أعجبتهم ستكون لنا مكافأة كبيرة.
أخذنا نحلم بمستقبل مختلف وكنا ننظر لصفوف الأدوية في الصيدليات على أنها مشاريع قصائد.طبعًا أنتم توقعتم ماحدث، اختفى الرجل ولم يعد يرد على اتصالاتنا، وعلمنا من مندوب آخر في نفس الشركة لاحقًا أنه ألقى القصيدة في مؤتمر الشركة ونسبها لنفسه ونال ترقية بسببها.
الأمر اختلف حاليًا، وصار الأمر أسهل بمراحل، فما أن تنشر فكرة أو قصيدة أو مقال على مواقع التواصل حتى يتلقاها أحدهم مباشرة وينشرها دون اسم، ثم ينقلها منه شخص آخر، ثم تصير ملكية جماعية، وتنسب في النهاية لمن هو أكثر شهرة ومن يمتلك عدد أكبر من المتابعين.
هناك قاعدة أخرى لو أن أحد المشاهير نشر فكرة بسيطة ستجد آلاف الإعجابات وإعادات النشر والتعليقات التي تمدح عبقريته الفذة التي وصلت لتلك الفكرة، بينما ربما نشرت أنت هذه الفكرة من قبل ولكن طالما هي صادرة من شخص غير معروف فهي فكرة عادية ولا يوجد بها أي ابتكار ولو أعجبتهم لن يصدق أحد أنك نشرتها أولًا وسينبري متابعو ذلك الشخص للدفاع عنه ومهاجمتك أنت.
كنت قد كتبت مقالًا قصيرًا ونشرته على صفحتي الشخصية، لأُفاجأ بعدها بمدة طويلة ببرنامج كوميدي يتناول نفس الفكرة، فكتبت تعليقًا على فيديو الحلقة على سبيل المزاح عن توارد الخواطر ثم وضعت لينك المقال، طبعًا أدمن الصفحة رد على كل التعليقات فيما عدا تعليقي.أما سرقة البوستات فأصبحت حدثًا يوميًا عابرًا لا داعي للوقوف أمامه، فعندما تدخل للشخص الذي سرق البوست وتعلق له وتلمّح أنك ضبطته فبعضهم يقول أنه لم يذكر صراحةً أن البوست خاص به، وبعضهم يضع إيموچي ابتسامة عريضة بعدها بلوك، ناهيك عن من يتهمك أنت بسرقته أو يؤكد أنه بوست مشاع موجود في كل مكان.
في إحدى المرات كتبت مقالا عن ذكريات لي مع الاختبارات والمذاكرة، طبعًا قابلني المقال منشورًا تحت أسماء مختلفة وفي أماكن مختلفة، هذا أمر معتاد للأسف، الطريف تعليق أحد الأشخاص لصديقه على المقال؛ حيث قال أنه ذكره بذكرياتهم سويًا أيام المذاكرة، ثم سأله (بس إحنا ماذاكرناش تحت عمود النور اللي قدام الوحدة الصحية؟)، فرد عليه الشخص المقتبِس -وهي تعني اللص ولكن مع بعض الأدب- (بس ذاكرنا تحت عمود النور اللي في الكلية).
سرقة البوستات صارت شيئًا معتادًا
الجديد هنا أن مستويات غير مسبوقة من (البجاحة) ظهرت مصاحبة للسرقة.
عمومًا هذه أشياء لم يعد هناك داع للوقوف أمامها.
هذا تبادل خواطر أو ربما تخاطُف خواطر.