العمال: «إحنا بننحت فى الصخر.. وتعبنا من كل حاجة.. ومفيش اهتمام بينا.. والربو جاب أجلنا وعايزين مستشفى.. والميه بنشتريها»
بعض العمال أثناء قطع لوح رخام
على أطراف محافظة القاهرة، وتحديداً على طريق حلوان، تقع واحدة من أهم القلاع الصناعية فى مصر، وهى منطقة شق الثعبان (قلعة صناعة الرخام والجرانيت فى مصر).
فى البداية وعند الاقتراب من هذه المنطقة، تجد غباراً كثيفاً متطايراً من مناشير الرخام، الذى يحجب عن العين الرؤية تماماً، وملابس عمال مغبرة، ورموش تلونت باللون الأبيض، بسبب الأتربة المتطايرة فى الجو، والشعر الأسود الذى تغير لونه إلى اللون الأبيض، وعند الدخول إلى الشارع الرئيسى لتلك المنطقة، توجد فى البداية المعارض الخاصة بالأعمال الجرانيتية، والتحف الرخامية، وبائعون ومشترون من جميع أنحاء مصر، جاءوا إلى هنا لشراء مستلزمات البناء والأعمال الديكورية، وعند التقدم بعض الخطوات إلى داخل الشارع، ترتفع الأرض تحت الأقدام، وتزداد حرارة الشمس، وتصعب عملية التنفس، ووسط هذه الأجواء الصعبة، يرتفع صوت أحد العمال بشدة «الحقوا اطلبوا الإسعاف بسرعة فيه عربية فنطاس ميه خبطت اتنين فى الجبل»، ليهرول الجميع تجاه مصدر الصوت، وبعد فترة تصل سيارة الإسعاف التى تجد صعوبة فى الدخول بسبب عربات النقل الثقيل، المحملة بالصخور الضخمة، التى تسد الشارع، وعقب نقل المصابين تعود الأجواء إلى طبيعتها القاسية فى حرارتها، وباستمرار التقدم إلى الأمام ينتهى وجود المعارض، وتبدأ المصانع الضخمة فى الظهور، حيث العمال الذين يعملون تحت حرارة الشمس الحارقة، دون غطاء رأس يحميهم من أشعة الشمس.
«عبدالله»: «معايا ليسانس شريعة وقانون وبشتغل عامل على جلاية وده مش عيب.. وعبدالقادر: مفيش أى وسائل تحمينا من غبار المنشار ونفسى فى مستشفى قريبة وملابس خاصة وخوذ
ويقول «عبدالله»، أحد العمال، 35 سنة، من محافظة الغربية: «إحنا هنا شغالين من غير أى وسائل حماية لينا، ولا حتى أدوات السيفتى، ومفيش أى اهتمام بالأمن الصحى، وطبيعة الشغل صعبة، وده لأن التعامل بيكون مع الأحجار الغشيمة ويكون بحذر، علشان كده لازم يكون للعمال لبس خاص بيهم، وخوذة، ومفروض يبقى ليهم تأمينات صحية، واجتماعية، ومش كل المصانع بتأمن على العمال عندها، وبالرغم من كده إلا أننا لازم نشتغل ونرضى بالأمر الواقع، مش بننكر إن الوضع هنا صعب فعلاً، لكن مفيش شغل تانى غير ده، أنا جربت أشتغل قبل كده فى المحارة، والبناء، لكن ملقتش فيهم استمرارية زى ما لقيت هنا، وطبعاً حتى لو مفيش تأمين هشتغل أومال هأكل عيالى منين، أنا وغيرى محتاجين الشغل حتى لو مفيش تأمين»، ويضيف عبدالله: «أنا عندى أسرة ومتجوز ومخلف، هما عايشين فى الغربية وأنا عايش هنا، وببات فى المصنع طول الأسبوع، وفى آخر الأسبوع باخد إجازة يوم بنزل فيه البلد أشوف عيالى، أنا يمكن اللى مصبرنى على الغربة، والتعب اللى بشوفه، إن الفلوس كويسة، بتعوضنا شوية عن كل ده».
«قضا أخف من قضا» بهذه الكلمات بدأ محمد، عامل جلاية، 34 سنة، من حلوان كلامه، وقال: «باجى من 8 الصبح، وبخلص 4 العصر، عموماً هنا مفيش مشاكل، لأن الفلوس بتعوضنى عن كل التلوث ده، أنا مفكرتش أشتغل فى مكان تانى، لأن كل شغلانة وليها أضرارها، وزى مابنقول بالبلدى كده قضا أخف من قضا، آه هو شغل تعب، وقرف لكن بلاقى فيه يومية، وبقدر أصرف منها على بيتى وعيالى، ممكن أشتغل شغلانة مريحة بس مفيهاش فلوس، مثلاً لو أشتغلت أمن هاخد 1200 جنيه، لكن مش هعرف أعيش بيهم فأنا بستحمل التعب علشان عيالى».
ويقول محمد عبدالقادر، 53 سنة، من الشرقية: «أنا شغال هنا من 25 سنة، والوضع بقى دلوقتى أسهل من الأول، زمان كنا بنشيل الصخر الكبير ده بالعتلة، لكن دلوقتى الونش سهل كل حاجة، يمكن أصعب حاجة بتواجهنا هنا هى الميه، لأن الميه بتيجى لينا من تحت، مفيش توصيل ميه هنا، وطبعاً المشاكل الصحية، زى الربو اللى بيقضى علينا بالتدريج، بسبب غبار المنشار، ومفيش أى وسائل تحمينا من كل ده، حتى الحر نفسه مفيش حاجة ترحمنا منه، ولما بتعب قوى من الحر، بروح أقعد تحت أى صخرة وخلاص، نفسى يبقى فيه اهتمام بينا، ويبقى فيه مستشفى فى المنطقة، والميه توصل لينا، ويهتموا شوية بالأمن الصحى ويوفروا لينا ملابس خاصة وخوذ»، ويقول أحمد عبدالرحمن، 25 سنة، الجيزة: «هنا فيه مشاكل كتير، أولها الحوادث، يعنى مثلاً من فترة كان فيه عربية نقل تقيل، ماكانش فيها فرامل، جاية عكس الطريق لأنه كان فاضى، فالسواق كان بيحاول يفادى الناس فدخل عكس، وجه فى آخر الشارع، والعربية اتقلبت، ودلوقتى فيه عربية فنطاس نقل تقيل خبطت اتنين والإسعاف معدية شايلة المصابين»، ويقول أحمد حسين، من القلعة، 57 سنة «أنا شغال هنا بقالى 24 سنة، الوضع طبعاً اتغير عن زمان، الجبل الأول كله كان تراب وحصو، وماكنش حد يعرف المنطقة هنا، لكن دلوقتى الوضع اتغير، وبدأ ناس كتير تعرف المكان وتيجى هنا، وشغلنا بنصدره بره مصر»، ويضيف: «بالنسبة بقى لتصنيع الرخام نفسه، فده بيحتاج وقت ووجهد كبير، لأن الصخر بيكون غشيم، فى المصنع أول مرحلة بتكون مرحلة تقطيع الصخر الكبير ودى اسمها نشر، والمنشار طبعاً بيكون عالى جداً عن الأرض، فبنحط طبلية تحت منه، بتتحرك مع الصخرة، وبيكون فيها عجل من تحت بيسهل حركتها، فى البداية الونش بيشيل الصخر، ويحطه على المنشار، بعد كده بناخد المقاس حسب رغبة الزبون، وبعد التقطيع بيدخل مرحلة التلميع، طبعاً المرحلة دى مهمة لأنها بتحدد درجة لون ونعومة الرخام، ومع كل منشار بيكون فيه طلمبات ميه علشان تخفف الحرارة عن سن المنشار، لأنه لو سخن هيتكسر، وبرضه فيه لوحة تحكم جنب كل منشار، وأنواع الرخام هنا كتيرة منها حلايب، ونيو حلايب، وبالطو وفرسان، وجاندولا، وروزا، ومعظم الأنواع دى بتيجى من المنيا، وبرضه أوقات بنستورد صخور من بره مصر».