لم تبخل جماعة الإخوان فى مسعاها لجعل ذكرى حرب 6 أكتوبر المجيدة، شاهدا من بين شواهد أخرى على انتفاء الوطنية لدى تابعيها، ووضعت بصماتها السوداء فى أكثر من مكان فى مصر، بداية بتخريب المنشآت العامة والخاصة بالأسلحة الثقيلة، العبارات البذيئة، التطاول والاعتداء على المواطنين الشرفاء الرافضين منهجها العدوانى التخريبى، ونهاية باستخدام الأسلحة وقتل العديد من المصريين. لم تكن رسالة الجماعة، عبر تجمعاتها العشوائية فى هذا اليوم التاريخى، سوى امتداد لطريقة تفكير عقيمة، تمتد لأكثر من ثمانين عاما، جذرها الرئيسى يمكن اختصاره فى أربع سمات بغيضة وهى؛ الاستعلاء والغباء والإنكار والاندفاع. والمحصلة الطبيعية لمثل هذه السمات أن يتحول صاحبها إلى تهديد لنفسه ولمجتمعه ولمحيطه الأوسع. لقد هالنى هؤلاء الذين ذهبوا محملين، حسب التعليمات، بقنابل يدوية وأسلحة لكى يفجروا محطة مترو كلية الزراعة، وتصدى لهم الأهالى وتمكنت الشرطة من القبض عليهم، وإذ منهم صاحب شركة حاسبات آلية وآخر مقاول بناء ومهندس وطبيب وطالب دكتوراه فى الشريعة ومدير فى أحد البنوك وثلاثة مدرسين ومحاسب، و3 أئمة وخطباء مساجد. وهى توليفة تعنى أن التنظيم نجح فى مسح عقول تابعيه تماما، حتى الذين نالوا قسطا مناسبا من التعليم، بما فى ذلك التعليم الشرعى، وفى مجالات تفترض إعمال العقل والتفكير المنطقى السليم، فقد ذهبت عقولهم وبقيت فقط تعليمات الجماعة بكل ما فيها من تجريف الإرادة وتشكيل الأتباع واستخدام الطاقة الإنسانية فى الإضرار بالوطن والشعب. وأظن أن كثيرا من المصريين لم يتصوروا أبدا أن يتحول الإخوان، الذين طالموا تغنوا بالدين والارتباط بالفقراء والبسطاء، إلى مصدر تهديد للوطن وسلامته، ولعل الصعوبة والمفارقة تكمن هنا تحديدا، وهى أن يتحول جزء من الشعب ولو صغيراً جدا، إلى معول هدم ومصدر خطر جسيم للحاضر والمستقبل، وأن يصبح نقطة ارتكاز لجذب تهديدات أكبر من الخارج لهدم الوطن وكسر إرادة شعبه وجيشه ومؤسساته. نفهم أن يأتى التهديد من الأعداء الصرحاء، أو من قوى استعمارية أو إمبريالية تعيش على نهب ثروات الشعوب. أما أن يأتى التهديد من بنى جلدتنا ومن بعض من يحملون الجنسية المصرية فهذا هو الجديد والخطير معا. قبل أربعين عاما، كانت مصر تعرف عدوها كما تعرف نفسها، العدو واضح فى الشمال الشرقى، وكذلك من يدعمه فى المجال الدولى. والقرار كان واضحا أيضاً أصر عليه خالد الذكر عبدالناصر والتزم به السادات؛ فمعركة تحرير الأرض لا بديل عنها، واسترداد الكرامة الوطنية مسألة حياة أو موت لكل مصرى. وجاءت الترجمة العملية لذلك فى أربعة مسارات متكاملة، أولها القيادة صاحبة الرؤية والإرادة، وثانيا التخطيط العلمى والمنهجى للحرب بمعناها الشامل، وثالثا التلاحم بين الجيش والشعب والاستعداد للتضحية، ورابعا إعداد الدولة ومؤسساتها نفسيا وسلوكيا لقرار الحرب. والطبيعى أن تكون المحصلة انتصارا كبيرا وعظيما بكل معنى الكلمة، سيظل مصدر فخر للأجيال المقبلة، مهما حاول الصغار التشويش أو الإنكار. يشعر المرء بأسى شديد أن تأتى ذكرى حرب أكتوبر بعد أربعة عقود وهناك من المصريين من يريد لهذا البلد الخراب والدمار، عبر المشاركة فى تخطيط جهنمى يستهدف تقسيم الجيش وتوريطه فى مواجهات مع الشعب، واستنساخ المشهد الدموى السورى على الأرض المصرية. وإذ نحمد الله على عبور مصر عنق الزجاجة من هذا التخطيط الجهنمى فى 30 يونيو الماضى، فمن الواضح أن المهمة التاريخية لإعادة بناء مصر، بما تستحق أن تكون عليه من ريادة ومن قوة ومن إنتاج ومن علم ومن ثقافة وإبداع، تحتاج إلى يقظة مؤسسية كبرى، ووعى شعبى ومزيد من التلاحم المجتمعى، وقرارات جريئة تواجه مصادر التهديد بكل حسم، وقيادة يثق فيها جموع المصريين، وتعبر عن الطموح المصرى بكل عناصره. صحيح لدينا خطة طريق واضحة المعالم، من حيث المهام والترتيب الزمنى والفرصة المتاحة لكل المصريين للمشاركة فى بناء مصر قوية وقادرة، لكن لدينا أيضاً تحديات وتهديدات لا يجب التهوين منها بأى شكل كان. نعرف أن هناك فى الحكم من يريد المناورة مع الجماعة ومن يتصور أيضاً أنه يمكن ترويضها وإقناعها، لكى تكون جزءا طبيعيا من المشهد المصرى بعد 30 يونيو. لكننا نعرف أيضاً أن الجماعة ومن يحمونها فى الخارج ويقدمون لها التمويل بلا حدود وينسجون لها الخطط ويرسمون لها مسارات الإضرار بالداخل المصرى، يرفضون إرادة الشعب كما تجسدت فى 30 يونيو، ومصرون على المواجهة مع الشعب والجيش والمؤسسات فى آن واحد، ومصرون على الإرهاب وإسالة الدماء والضرب بعرض الحائط كل الاعتبارات الوطنية والدينية والإنسانية، ومصرون على إنكار الواقع والعيش فى وهم عودة الرئيس المعزول مرة أخرى إلى كرسى الرئاسة. مثل هذه الجماعات التى تمتد عبر الحدود لا تعرف قيمة الوطن، وعلى استعداد كامل لبيعه بأبخس الأثمان، وليست لديها إرادة مراجعة الذات والاعتراف بالخطأ، وتعيش فى عالمها الافتراضى، وهم بذلك يمثلون طابورا خامسا بكل معنى الكلمة، فكيف نتوقع من هؤلاء أن يكونوا جنودا أو مواطنين صالحين يحفظون الوطن ويدافعون عنه؟
لقد تربى هؤلاء على فكر عقيم، وبحاجة إلى صدمة تلو أخرى حتى يخرجوا من الصندوق الذى يقيمون فيه. وإذا كان ثمة رهان على مجموعات صغيرة داخل التنظيم تريد المراجعة وتسعى إلى إعادة بناء التنظيم، بعد التخلص من قياداته الفاشلة، تحت مظلة الدستور والقانون وقبول الواقع المصرى كما هو، فلا بأس من إتاحة الفرصة لهم كمواطنين مصريين يلتزمون بالدستور والقانون ومصالح الوطن العليا، ودون أن يعنى ذلك عدم تنفيذ الحكم القضائى بحل الجمعية ومصادرة أموالها. وإن نجح هؤلاء فليؤسسوا لأنفسهم جماعة أو حزبا باسم جديد، وفقا لأحكام القانون والدستور ودون أدنى مناورة أو تعتيم، وليكن الحكم آنذاك للشعب بوعيه الكبير وحكمته العظيمة.