تابعت مثل غيرى الضجة الكبيرة التى أثارتها محاولة عودة الداعية عمرو خالد وتلميذه مصطفى حسنى للشاشات ومنها إلى المجال العام بحيث يبدو كل شىء طبيعياً وكأننا ما زلنا فى سنوات ما قبل ٣٠ يونيو..
والحقيقة أننى شعرت بالدهشة أكثر مما شعرت بأى شىء آخر.. فالذين صدمهم إعلان عمرو خالد عن نوع معين من الدجاج قال إنه يرتقى بالروح مع صلاة التراويح! لم ينتبهوا إلى أن ظاهرة عمرو خالد هى فى أساسها ظاهرة إعلانية وتجارية من الأساس، وأن أهم ما تميز به هذا النوع من الدعاة أنهم حولوا الدين من (رسالة) إلى (سلعة) والفارق بين الاثنتين كبير.. ولم ينتبهوا أيضاً إلى أن ذلك منشور ومكتوب منذ عام ٢٠٠١ على صفحات مجلة روز اليوسف التى كانت منبراً للتنوير ومحاربة الأفكار الظلامية.. والذين أفاقوا على أن عمرو خالد وتلميذه مصطفى حسنى من الإخوان لم يدركوا أن ذلك منشور منذ ثمانية عشر عاماً على الأقل وأنه مبنى على تحليل خطاب هؤلاء الدعاة، وليس على تسريب أو لقطات موضوعة على صفحات التواصل الاجتماعى من هنا أو هناك..
إن ما يستدعى هذا التوقف أننا أمام أمة لا تقرأ، أو ما يحزن فى حقيقة الأمر أننا فى عام ٢٠١٨ ما زلنا نناقش قضية كان يجب أن نحسمها وننتهى منها فى 2٠٠١، وهو ما يعنى أشياء كثيرة منها أن مصر استهلكت خلال العشر سنوات الأخيرة من حكم «مبارك»، ثم فى السنوات التى تلت ثورة يناير فى (اللاشىء)، وأن المجتمع وربما الدولة أيضاً كانت عاجزة عن أن تحسم أمرها فى قضايا كثيرة جداً، وهو ما أدى ليس فقط إلى أن نبقى محلك سر، ولكن لأن نعود للوراء. وفى ظاهرة خطيرة مثل الدعاة الجدد فإنك تكتشف أنه لا توجد جهة واحدة فى الدولة أو فى جامعات مصر تأخذ على عاتقها دراسة هذه الظاهرة التى تؤثر على الملايين من شباب مصر، باستثناء جهد فردى قام به كاتب هذه السطور، وعبر عشرين عاماً تقريباً من متابعة الظاهرة أقول إنها لم تعالج ثقافياً أو سياسياً إطلاقاً باستثناء ما حدث مؤخراً.. وإن التعامل فيما سبق كان على مستوى القرارات الأمنية والإدارية فقط لولا نمو الرأى العام والتفكير النقدى لدى المصريين بعد ٣٠ يونيو.
إننى لا أملك إسهاماً فى قضية عودة هؤلاء الدعاة أكثر مما قلته عام ٢٠٠١، وكان ملخص ما قلته أن هؤلاء الدعاة ينتمون إلى جماعة الإخوان ويتبنون مشروعها الفكرى والسياسى حتى وإن خاصموا أعضاءها.. ذلك أنك يمكن أن تكون (زملكاوياً) متعصباً رغم خصومتك مع رئيس النادى واعتراضك على أسلوب إدارته اعتراضاً حقيقياً.. وكانت وجهة نظرى أنه ليس من العدل أن تتاح منابر التأثير وإمكانيات الوصول لملايين الشباب كى يؤثر فيهم هؤلاء الدعاة ويقنعوهم بمشروع الإخوان المسلمين، فى حين لا يتاح ذلك لمن يؤمنون بأفكار الأحزاب الأخرى مثل الوفد والتجمع مثلاً.. لقد قلت ذلك منذ ١٨ عاماً، حين كانت الإخوان تدعى أنها جماعة سلمية.. فما بالك والإخوان جماعة إرهابية؟؟!
إننا يجب أن نسير للأمام ولا يجب أن نعود للخلف.. أما استضافة كلية الشرطة للداعية مصطفى حسنى كى يحاضر بها فله حديث آخر!