ممرضات يتحدثن عن مهنتهن: «عطاء بلا حدود.. والمقابل المادى محدود»
أسماء جمال الدين إحدى الممرضات بـ«قصر العينى»
مهنة إنسانية سامية تخفى فى طياتها الكثير من المخاطر، إذ يعتقد البعض أنها مهنة أقرب إلى مساعدة الطبيب منها إلى العناية بالمريض بشكل مباشر، والتعاون مع أفراد الطاقم الطبى لتقديم الرعاية الطبية اللازمة للمرضى ويجهل الكثيرون المخاطر والمصاعب التى تلاحق العاملين بهذه المهنة، ممرضات تحدثن إلى «الوطن» عن معاناتهن اليومية سواء مع المرضى وأسرهم أو بسبب ظروف العمل نفسها.
وتقول «أم محمد»، رئيسة تمريض سابقة بإحدى الوحدات الصحية: «أنا كنت رئيسة تمريض واضطريت أمشى عشان الإدارة كانت بتنقلنى كتير ويودونى أماكن بعيدة»، وتضيف: «احنا بندى مهنتنا كل وقتنا وصحتنا ومش بنلاقى المقابل اللى نستحقه، يعنى أنا جالى عدوى فيروس سى بسبب شغلى ودايخة فى التأمين على العلاج والتحاليل ومحدش بيسأل فينا ولا بناخد بدل عدوى ولا أى حاجة».
«أم محمد»: «جالى فيروس سى بسبب شغلى ومحدش بيسأل فينا».. «زينب»: «بناخد 20 جنيه بدل عدوى ولو أخدت إجازة مرضى بيتخصم من مرتبى 600 جنيه»
تقول زينب عبدالهادى، ممرضة بإحدى الوحدات الصحية بمنطقة دار السلام: «بيتصرف لنا 20 جنيه بدل عدوى، ويا ريتنا بناخدهم دول بيبقوا على الورق بس، وبقالى 28 سنة فى الشغلانة دى وبقبض مرتب 2800 جنيه ولو اضطريت آخد أجازة مرضى مثلاً أو علشان عاملة عملية بيتخصم من مرتبى 600 أو 700 جنيه رغم إنى ببقى مقدمة ورق وتقارير تفيد بحالتى الصحية بس الإدارة مالهاش دعوة وبتخصم برضه»، وتضيف زينب: «الرعاية الصحية بالمرضى محتاجة اهتمام أكتر من كده، واحنا بنشتغل بالحاجات اللى متوفرة لينا وبنعمل اللى علينا وزيادة كمان، يعنى أنا بشتغل فى عيادة الأسنان والدكتور بعد ما بيخلص مش بيرمى الأدوات اللى استخدمها، وبمجرد ما بيخلص للعيان بيقلع الجوانتى اللى لابسه ومالهوش دعوة وبيبقى معتمد إن الممرضة هى اللى هتييجى تنضف، ولو خليت الحاجة ومشيت ممكن تؤذى أى حد تانى».
وتقول «زينب» إنها تتعرض لمضايقات كثيرة من موظفى التفتيش على دفاتر الحضور، مشيرة إلى أنهم لا يراعون أى ظروف قد تتعرض لها الممرضة تتسبب فى تأخيرها عن العمل، وتتابع: «لو واحدة فينا اتأخرت 5 دقايق بس بيتقالها لا خلاص روحى أحسن عشان انتى اتحسبلك النهارده غياب»، وتواصل سرد معاناتها فى هذه المهنة بقولها: «لما بنطلع حملات زى مثلاً تطعيمات شلل الأطفال بيوزعونا على المناطق، ومفيش عربية بتودينا ولا تجيبنا، وكل حاجة على حسابنا واللى بيشتكى بيتبهدل ويتأذى وبيتنقل، وأنا عشان طالبت يبقى ليّا أوضة نضيفة ومريحة أكتر من الأوضة اللى أنا فيها، بما أنى أقدم ممرضة فى المكان كانت النتيجة إنهم نقلونى مكان تانى انتداب وبعيد عن بيتى، وطلعوا عليّا إشاعات إن شغلى مش كويس، ولما فترة الانتداب قربت تخلص عشان أرجع مكانى القديم راحوا نقلونى مكان تانى».
وتصف «خيرات عبدالموجود»، إحدى الممرضات بعض المواقف التى يتعرض لها طاقم التمريض بالاستفزازية، مستنكرة المعاملة التى يلقونها من الأطباء فى بعض الأحيان على حد وصفها، وتقول: إنهن فى بعض الأحيان يجدن أنفسهن مجبرات على مسح وتنظيف الأرضيات والنوافذ وكأنهن عاملات نظافة، وهو ما يسبب أزمات دائمة بين الممرضات وإدارتهن. معاناة صابرين محمد، ممرضة بمنطقة دار السلام، بدأت بعد إصابتها بمرض «الغضروف»، وبالرغم من أنها لجأت إلى «عكازين» ليساعداها على المشى، إلا أنها فوجئت بعدها بنقلها إلى إدارة أخرى بعيدة عن منزلها دون أى مراعاة لحالتها الصحية، وتقول «صابرين»: «الأمر لم يقتصر على النقل فقط، ولكن الخصومات كانت تلاحقنى دون أن أرى وراءها سبباً مناسباً، حتى إننى فوجئت بخصم وصل لـ800 جنيه شهرياً، وراتبى كله أصلاً لا يتعدى 2700 جنيه، وبسبب التزامى بسداد قرض قيمته 1600 جنيه شهرياً، كنت أضطر للاستدانة من زملائى لأستطيع إكمال الشهر»، وأنهت حديثها قائلة: «هل كل الظلم الذى تعرضت له يرضى أحداً؟».
إحدى الممرضات، رفضت ذكر اسمها، وصفت المشاجرات التى تحدث بينهن وبين المرضى أحياناً بأنها «غير مقصودة»، وتابعت: «الكل بيبقى مضغوط المريض تعبان، وأسرته خايفة عليه، واحنا عندنا شغل كتير جداً، ومرتبات قليلة، وفى مننا عندهم أمراض، وفيه اللى بيتعرض لظلم فى شغله، وكل ده بيولد ضغط كبير بيتسبب أحياناً فى صدام كبير بينا وبين المرضى»، وتابعت: «محدش بيشتغل شغلانتنا دى إلا لو بيحبها، وأحلى لحظة لينا لما بنشوف مريض خف وروح مع أهله، لكن كل الحكاية إننا بنبقى مضغوطين ونفسنا فى شوية تقدير من كل اللى حولينا، سواء المريض أو أسرته أو رؤسائنا عشان نعرف نأدى بأحسن شكل».
«بقالى 23 سنة بشتغل فى التمريض ومرتبى بالحوافز 3000 جنيه وما بيزيدش»، شكوى ترددت على لسان أسماء جمال الدين، ممرضة قصر العينى الثلاثينية وغيرها، الكثير من أبناء مهنتها عملن دون جدوى فى إيجاد حل لهذة الأزمة، وتقول «أسماء»: «إنهم لا يحصلون على بدل عدوى مناسب، وما زاد الأمر صعوبة هو القرار الذى أصدره الرئيس السابق لجامعة القاهرة الدكتور جابر نصار عام 2013، وهو منع ممرضات القصر من العلاج فى وحدات (الفرنساوى)، باعتبارها وحدة علاج خاصة تستلزم تأميناً خاصاً بها، وتحويل جميع الممرضات للعلاج بمستشفى المقطم العام، الذى تقول عنه «أسماء»، إن خدماته متواضعة بالإضافة إلى عدم توافر الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية به، وهو الأمر الذى يدفعهن كممرضات إلى شراء الدواء على نفقتهن الخاصة، وتضيف متسائلة: «من حقنا نتعالج فى المكان اللى وهبنا نفسنا ليه وقضينا عمرنا كله جواه، فإزاى لما واحدة فينا تعيا تترمى فى آخر الدنيا».