بعض الأحيان تجمعك الصدفة بشخص في ظروف معينة تجعلك تكتشف أن خلف هذه الصورة العادية جدًا لذلك الشخص يوجد عالم مختلف تمامًا.
لذا تعودت ألا أصدق الشكل الخارجي. وصرت أؤمن أن هؤلاء الناس الذين يعبرون جوارنا في الطريق أو في العمل ليسوا مجرد وجوه تملأ خلفية حياتنا بل هي قصص مليئة بالحكايا والمفاجآت ولكنها مغلقة على أسرارها، قد يتصادف مرورك بجوار أحدهم بينما هو يفتح نافذته قليلًا ليتكلم مع أحد، فيهبك جزءًا من حكايته أو ربما تمر من أمامه في وقت آخر دون أن تلاحظه أو يلاحظك.
أناس عاديون تمامًا لا تكاد تلحظ وجوههم وسط الجموع ولكن لكل منهم جانب آخر مختلف.كل منا يحمل قناعًا يخفي خلفه أسراره وحياته الشخصية، ولكن هناك أناس يحملون خلف أقنعتهم أسرار كبيرة قد تدفعك الصدفة لتصطدم بها.
قادتني الصدفة أن أقابل أشخاصًا في الوقت المناسب حين كانوا يواربون أبوابهم بحثًا عن شخص يشاركهم جزء من أسرارهم.
مثلًا سمعنا كثيرًا عن أناس بدون جنسية، أنا قابلت أمثلة منهم، أناس عاديون جدًا ولكن قد تدفعك الظروف لتعرف الحقيقة المرّة جدًا وهي أنهم لا يملكون أي جنسية وطبعًا هذا يجعل حقوقهم تكاد تكون صفرًا.
قابلت رجلًا يحمل شهادة دبلوم متوسط وبالصدفة اكتشفت أنه لا يعرف القراءة والكتابة.
عرفت سيدتين مسنتين تعيشان سويًا في بيت صغير من غرفة واحدة، كلتاهما قعيدة وضعيفة البصر كنت أظنهما شقيقتين ثم اكتشفت لاحقًا أن القرابة بينهما فقط أنهما كانتا زوجتين لرجل واحد توفي وتركهما دون أبناء.
قابلت أناسًا ولدوا ويعيشون أبًا عن جد في بلد ثم تبين لي أنهم يحملون جنسية بلد آخر لم يروه قط.
هذا بالإضافة إلى طبيعة عملي التي جعلتني أقابل الكثير من المفاجئات المختفية خلف الوجوه؛ هذا الشاب اليافع عنده مشكلة في القلب وأمله الوحيد هو زراعة قلب، هذه السيدة البشوشة تعاني من سرطان متقدم وهي بالفعل على بعد خطوات من الموت، هذه الفتاة الجميلة تحمل في خلاياها كروموسومات رجل وتحمل فقط الشكل الخارجي لأنثى، و..........
المثال الذي لا أنساه قط كان شابًا قابلته أثناء الخدمة العسكرية، كان الجميع ينادونه "عفشة" وهي ماظننتها في البداية سبة ثم اكتشفت أنها نسبة إلى مهنته حيث كان "عفشجيًا".
وقتها لم أكن أعرف هذه المهنة، كنت فقط أعتقد أنه عندما تحدث مشكلة في السيارة فإنك تأخذها للميكانيكي، لاحقًا اكتشفت أنه كما أن للطب فروع وأقسام، فإن لطب السيارات أقسام وتخصصات كثيرة أيضًا، الميكانيكي، كهربائي السيارات، العفشجي، السمكري، هناك من مهنته تصليح الإطارات أو تغيير الزيت، الشكمان، الأبواب، الدوكو، الرادياتير، الزجاج ،......
المهم كان عفشة شابًا مرحًا بشوشًا دائم الضحك والمزاح. كنا في معسكر في الصحراء وكنت أبحث عن شخص لأصلي معه جماعة، عرضت عليه فتحجج بأنه يريد أن يتوضأ، ثم (لا يوجد ماء)، ثم...لم أعتد أن ألح على أحد في شأن الصلاة، مالبثت أن وجدت أحدهم وصلينا سويًا بينما عفشة جالس بقربنا. بعد الصلاة جاء عفشة وجلس بجانبي وبدا مرتبكًا، وعلى غير عادته بدا جادًّا ، وأخذ يقول أنه كان يريد أن يصلي معنا ولكن...
فقلت له أنه يمكنه أن يتيمم لو لم يجد ماءً فقال أن المشكلة ليست في الوضوء المشكلة في الصلاة نفسها.
لم أفهم ما يقصد ثم طرأت في بالي فكرة غريبة فسألته إن كان لا يعرف كيف يصلي.
فأنكر وقال أنه يعرف بالطبع كيف يصلي ولكن المشكلة في التشهد.
هالني الأمر في البداية، هذا شاب مسلم ناضج في العشرين من عمره ولا يعرف كيف يصلي.
حاولت أن أكرر عليه التشهد عله يحفظها ولكن ذلك كان صعبًا كأنه لم يسمعها من قبل.
سألته إن كان يجيد القراءة فأجابني أنه يعرف. أحضرت ورقة كارتون سميكة وكتبت عليها التشهد بخط كبير وقلت له أنه وإن لم يستطع حفظها الآن يمكنه وضع هذه أمامه وهو يصلي ويقرأ منها، وعندما طلبت منه أن يقرأ اكتشفت أنه لا يعرف الكثير من الحروف ولا يستطيع قراءة الكلمات.
فقلت له حسنًا لا مفر، سنظل نكرر التشهد سويًا حتى تحفظها.
فقال "لا أدري كيف أشكرك ولكن هناك مشكلة أخرى.....
الفاتحة"!