١ - أعترف أننى لفترة ليست بالقصيرة كنت لا أملك تصوراً واضحاً لما يعرف بمنظومة الجمعيات الأهلية فى مصر.. بل ولا أعرف كيف تدار الأمور داخلها ولا كيف يتم تمويل المشاريع التى تتبناها وتعلن عنها فى إعلاناتها السنوية خلال شهر رمضان تحديداً..
كل ما كنت أعرفه أننى أتعجب من كم الإعلانات التى تدعو المواطن البسيط للتبرع بأى شىء.. وأتعجب أكثر من أن معظم المشاريع التى تدعو إليها تلك الإعلانات تتعلق بالرعاية الصحية تحديداً..
لم أكن أعرف شيئاً حتى قابلته.. ذلك الرجل الذى تمكن من أن يغير فى ذهنى الصورة القائمة على العمل الخيرى فى مصر بأكمله.. بل ويجعلنى أتحول من جبهة المعارض إلى جبهة المؤيد شديد الحماس.. كان شريف أبوالنجا هو مفتاح السر بالنسبة لى.. بعده أدركت ما تفعله بقية الجمعيات.. بعده تعرفت على «الأورمان» و«اسمعونا» و«مصر الخير» وغيرها.
بعده أدركت قيمة ما تقدمه منظمات المجتمع المدنى.. وحجم مساهمتها بجوار الحكومة فى مساعدة غير القادرين..
٢- للأسباب السابقة تأذيت كثيراً حين خرجت الحملة المغرضة لمقاطعة جمعية الأورمان عقب تصريح اللواء ممدوح شعبان رئيس الجمعية فى مؤتمر الشباب الأخير بأنه لا فقراء فى مصر..
الأمر لا يتعلق بشخص رئيس جمعية الأورمان الذى لا أعرفه شخصياً ولكننى أثق فى حسن نيته.. وأعرف جيداً كم ستؤثر حملة كهذه على ملايين المستفيدين من جمعية من أعرق جمعيات المجتمع المدنى فى مصر..
ربما جانَب الصواب سيادة اللواء فى تصريحه.. وربما عجز عن شرح ما كان يعنيه جيداً من ذلك التصريح.. ولكن، فى كل الأحوال، فإن حملة المقاطعة لن يستفيد منها أحد سوى من لا يرغب لهذا الوطن فى الأفضل بكل تأكيد.
٣- الطريف أن حملات المقاطعة السنوية ترتبط فى كل عام برفض التبرع لمكان ما مع توجيه النصح للتبرع فى مكان آخر! فالبعض يدعو لمقاطعة «الأورمان» لصالح «مصر الخير».. والبعض الآخر يرى أن مركز الدكتور مجدى يعقوب أحق من مستشفى سرطان الأطفال ٥٧٣٥٧!!
الكل يحاول أن يوجه لمكان ما بتوجيه الانتقاد لمكان آخر.. ودون أن يدرك أن كل الأماكن تحتاج.. وأن تبرعك لمكان لا يحتاج بالضرورة أن ترفض الآخر!
٤- أربعة مليارات جنيه ونصف المليار هى حجم تبرعات المصريين لكل الجمعيات الأهلية سنوياً حسب دراسة أجراها مركز معلومات مجلس الوزراء حول العمل الخيرى للأسر المصرية، وهو مبلغ تدفق من 15.8 مليون أسرة مصرية يشكلون 86% من إجمالى عدد الأسر على مستوى مصر، أرقام كلها تثبت حجم الخير فى قلوب المصريين.. وتؤكد أن التكافل صفة متأصلة بداخلهم ولو أنكر البعض أنها موجودة..
الرقم يبدو مهولاً بالفعل.. ولكن إذا وضعنا بجانبه أنه يخدم أكثر من عشرة ملايين مواطن لا تتمكن الحكومة من الوصول إليهم.. وأن أوجه الصرف يتم مراقبتها بكل وضوح ودقة من وزارة التضامن الاجتماعى والرقابة الإدارية.. سندرك أنه منطقى.. وسندرك أننا نحتاج ضعفه لتغطية العديد من الاحتياجات لأبناء هذا الوطن فى ظل هذه الظروف الاقتصادية العسيرة على الجميع!
٥- ينبغى أن ندرك جميعاً ما يقوم به المجتمع المدنى فى مصر.. ينبغى أن نعرف أنه يصل إلى ما لا يمكن للحكومة أن تصل إليه ولو بعد أعوام طويلة.. ينبغى أن نساعد هؤلاء الذين يخدمون قطاعاً عريضاً من الناس دون أن نحاول بكل جهدنا أن نحطمهم.. يمكننا أن ننصح بالتبرع فى مكان ما دون أن نرفض أن توجه التبرعات لمكان آخر.. فالكل يعمل فى نفس الاتجاه ولنفس الأهداف..
يمكننا أن نقف بجوار من يساعد ولو بكلمة شكر.. ولا نصبح معاول لهدم كل ما هو جيد ومحترم فى هذا الوطن..
أفيقوا يرحمكم الله..