عيد سعيد، لا بد أن تسعد بالعيد لأن مصر تحررت من أسر الإخوان، ولأننا على وشك الانتهاء من الدستور.. ولأن بمصر جنوداً شرفاء يحققون النصر فى حربهم على الإرهاب.. ولأن شعب مصر الأبىّ يتحمل خطة «عكننة المصريين» التى ينفذها تنظيم الإخوان الإرهابيين!.
من حقك -فى العيد- أن تعود إلى صباك، تتذكر كيف كانت الملابس الجديدة مبهجة، وصلاة العيد لا يتهددها تنظيم إرهابى ويحيك المؤامرات لإفسادها.. أن تستعيد إحساسك بالأمان، بدفء الأسرة، بدعوات أمك وأبيك.
لكن إن أحسست أن الزحام خانق، وأنك تخجل من ارتداء حلة جديدة، وأن معظم الأحبة قد رحلوا فاعلم أن بعض أحاسيسك قد «شاخت»!.
الحنين إلى «أمى» -كل يوم- لم يسلبنى ممارسة الأمومة، والأمومة لم تخلع من قلبى الرغبة الجارفة فى الارتماء على صدر «أمى».. واستسلامى لـ«رقيتها»!.
كانت، رحمها الله، على فراش المرض وهى تسألنى: (من حرق كنيسة القديسين؟)، كانت مسكونة بحب الوطن، عاشقة للحياة حتى آخر لحظة فى عمرها، متمردة على المرض، معطاءة.. للأسف «كانت»!.
اليوم تذكرت كفها يضم كفى الصغير، حين كنت فى العشرين من عمرى، أؤدى «العمرة» لأول مرة فى حياتى، تذكرت صوتها وهى تقرأ القرآن، وبريق الدموع فى عينيها حين تدعو لى.. لقد انكسرت يوم توفى «أبى» لأنه كان «الستر» بمعناه الأدبى والموضوعى، لكن حين رحلت أمى تكسر العالم من حولى!.
أخذت معها «لمة العيلة» على الغداء فى العيد، فحرمت على نفسى دخول منزل الأسرة منذ رحلت.. أصبحت أضعف حتى من الكتابة عنها!!.
لم يعد هناك من يخاف على مثلها، من يعطى بلا حدود ودون مقابل أول شروط مثلها، ذات يوم أخبرتها أننى سأظهر مع الإعلامى «معتز الدمرداش» ترجتنى ألا أكون شرسة فى مهاجمة «مبارك».. لكننى لم أستسلم لرغبتها.
كثيرا ما نكره نصائح الأمهات، نشعر أنهن يقتحمن عالمنا، ويتدخلن فى شئوننا، فلا نقدر خبرتهن فى الحياة.. ولا رؤيتهن للصورة الحقيقية من كل الزوايا.
أعترف لكم أننى «نادمة»، لو كنت نفذت نصائح «الغالية» لربما تغيرت حياتى!.
لكن العزاء أن «أمى» رحلت قبل أن يقفز «مرسى» على كرسى السلطة، قبل أن تصدم فى من يدعون الإسلام وهى «المرأة المتدينة».. فلم تعش الذعر الذى عشناه ولا رأت دماء الشهداء.. لقد رحلت «أمى» منتصرة.. ثائرة.. لم يهزمها «الصندوق» ولم يفزعها عنف أنصار «الشرعية المزعومة»!!.
نحن عادة نبحث عمن نحبهم «فى العيد»، ومن يحبوننا، نشعر أن الإجازة عبء دون الأهل والأصدقاء.. نبحث عن أنفسنا، عن ملامحنا القديمة: (بريق انطفأ فى العيون مع حالة حب، نضارة تفاؤل ضاع، سعادة كانت مرسومة على الجبين)!!.
لقد خطفنا «النضج» من إنسانيتنا، أصبحنا نعمل ونتظاهر، ونرفض أو نرضخ، تفرمنا الحياة.. لدرجة لا نشعر معها بمرارة «الفقد»!
لكننى دائما «أحن إلى أمى»، فـأتذكر أغنية الرائعة «جوليا بطرس»: (العيد يبقى بعيد ويضل ناسينا / شو لنا بالعيد ولا شى بيعنينا / مساكين نحنا مساكين عشنا / ما العيد ما بيمرق عالمساكين!!).
لقد علمتنى أمى أن أعيش فى حالة سلام داخلى، أن أتصالح مع نفسى، أتسامح حتى لا يترك قبح الآخرين أثرا بداخلى.. علمتنى أن أحب «الحياة» كما هى، أن أتقبل ذاتى وأطورها.. أن أصنع أعيادا صغيرة فى أى وقت!!.
وأنا أهديكم نصائح أمى.. ربما يتذكرنا العيد ونخرج من شرنقة المساكين ممن لا يعنيهم العيد!.