«مبروك يا حاجة سعدية» جملة اهتز معها جسد السيدة سعدية حامد عبدالسلام العاصى، 75 سنة، ومقيمة بقرية درين التابعة لمركز نبروه بالدقهلية، فور أن تلقفتها أذناها من شفاه عبدالله المنزلاوى أحد شباب قريتها ويعمل جزاراً عندما زارها بمنزلها فى أحد أيام شهر مارس الماضى ليزف إليها بشرى تحقيق حلم عمرها بزيارة بيت الله الحرام، ومسجد رسوله الكريم وأداء العمرة لأول مرة فى حياتها بعد أن تكفل رجل أعمال سعودى بتكلفة أداء العمرة لـ10 أشخاص بعد شفاء نجله، دون تحمل أحد منهم لأى تكاليف مالية.. هكذا أبلغها المنزلاوى «الله يعمر بيته ويكتبها له فى ميزان حسناته».
أخيراً استجاب المولى عز وجل لأدعية الحاجة سعدية بعد صلاة الفجر كل صباح وبدأت تحلم بالطواف حول الكعبة دون أن تدرى أن كلمة «مبروك يا حاجة» كانت بداية رحلة عذاب دامت أكثر من 3 أشهر حتى الآن تحولت خلالها إلى مأساة متحركة من لحم ودم، إذ من بين ملايين زاروا بيت الله الحرام سواء لأداء فريضة الحج أو العمرة تسبب حظها العاثر فى أنه بدلاً من أن تطوف حول بيت الله الحرام ظلت الحاجة سعدية طوال هذه المدة تطوف حول مقار التحقيق فى السعودية لاتهامها بالاتجار وتهريب المخدرات، إلى أن استقر بها الحال «أسيرة» -حتى الآن- فى أحد المستشفيات التى كانت تعالج فيها من مرض «السكرى» الذى أصابها بعد صدمة تحولها من الحاجة سعدية إلى «المتهمة سعدية» بعد أن ضبطت سلطات مطار اليرموك معها «حقيبة مملوءة بالأقراص المخدرة».. وكل ذلك حتى بعد ثبوت براءتها وضبط المتهم الحقيقى الذى أورطها فى هذه الجريمة..!
مأساة الحاجة سعدية بدأت عندما حزمت حقائبها، وجلست تردد الدعاء لابن قريتها وتعده بفيض من الدعوات أمام الكعبة، وبسعادة ورضا وضعت داخل حقيبتها «شنطة» صغيرة طلب منها ابن قريتها «وش السعد» أن تحملها معها وتسلمها لأحد أقاربه ويعمل فى المملكة.
«لبيك اللهم لبيك»، ظلت الحاجة سعدية ترددها منذ أن غادرت قريتها متجهة إلى الأراضى المقدسة، وفور وصولها إلى «مطار ينبع»، لفتت نظر شاب مصرى كان قد رافقها فى الرحلة على الطائرة وقرر مساعدتها فى حمل حقائبها لوضعها على سير التفتيش، وهنا كانت «الكارثة» إذ استوقفها أحد رجال الأمن والتفتيش السعوديين، مؤكداً أنها تحمل داخل حقيبتها «كمية كبيرة من الأقراص المخدرة الكابتجون»، ليتم إلقاء القبض عليها وعلى الشاب الذى قرر مساعدتها..!
على الرغم من أن حقائبها قد مرت من أجهزة مطار القاهرة وقت المغادرة إلا أن القائمين على هذه الأجهزة لم ينتبهوا إلى ما تحتويه هذه الحقائب..! «وهذه ملحوظة هامشية ليس الآن وقت مناقشتها».
الساعات تمر والحاجة سعدية وحيدة لا تفهم ما يدور حولها تصرخ بالبراءة، تسأل عن موعد ذهابها لمكة لأداء العمرة، تشرح لرجال الأمن السعودى أنها لم تغادر «نبروه بالدقهلية» طوال عمرها، وأنها لا تعرف القراءة والكتابة، وترجوهم العودة لأولادها فى مصر أو الاتصال بهم..!
قصة القبض على «الحاجة سعدية»، أثارت ردود أفعال واسعة سواء بالسعودية أو مصر على مواقع التواصل الاجتماعى حيث تناقل المئات قصتها بحزن بالغ وطالبوا بمعرفة حقيقة القضية ومن السبب فى تورطها فى تهريب الأقراص المخدرة.
مجهودات بذلت تعكس دور الدولة فى حماية أبنائها فكان هناك تكتيك أمنى لوزارة الداخلية لسرعة القبض على الجانى الرئيسى.. وفور إلقاء القبض عليه أحيل إلى النيابة التى قررت احتجازه وتقديمه للمحاكمة بعد أن أدلى باعترافات تفصيلية بشأن الواقعة.
تحركات محورية لوزارة الخارجية وقنصليتنا فى جدة لتقريب وجهات النظر مع الجانب السعودى، ومتابعة القضية منذ الشرارة الأولى وزيارتها بانتظام فى مقر احتجازها وتمكينها من الاتصال بذويها، فضلاً على التأكد من استقرار حالتها الصحية.
دور فعال للنائب العام المصرى بتجميع أوراق القضية التى تثبت براءتها فى أيام معدودات وإرسالها إلى وزارة الخارجية.. نواب برلمانيون يتحركون بطلبات إحاطة.. إعلاميون يتابعون القضية عن كثب.. صحفيون يكتبون مقالات مؤازَرة لـ«السيدة العجوز».. صحف ومجلات تفرد مساحات لإعلان القضية «رأى عام»، وتحركات أكثر من رائعة للجالية المصرية بالسعودية لمناصرة «الحاجة سعدية».. بينما أبدت السلطات السعودية شعوراً طيباً للتعاون الكامل وتقديم الرعاية اللازمة للمواطنة المصرية أثناء فترة الاحتجاز.. إلى أن تيقنت السلطات السعودية من براءتها وقررت الإفراج عنها.
ولأنه دائماً هناك «لكن» فى كل دراما إنسانية، لم تنته مأساة الحاجة سعدية عند حد الإفراج عنها؛ إذ كشفت «الحاجة سعدية»، خلال مداخلة هاتفية فى برنامج «العاشرة مساء»، مع الإعلامى وائل الإبراشى الأسبوع الماضى عن أن مسئولين بالمملكة رفضوا السماح لها بالعودة إلى مصر «أنا مش عارفة أنا قاعدة ليه لحد دلوقت، أنا ذنبى إيه، عاوزة الملك سلمان يشوف لى حل، أنا تعبانة وممكن أموت.. فى عرضكم يا أهل الكرم شوفوا لى حل أنا بريئة ونفسى أقضى رمضان فى وسط أولادى، مش عارفة فيه إيه والله.. ؟ يرضى الملك سلمان إنى أموت هنا، نفسى ألحس تراب بلدى، يا ريت الرئيس عبدالفتاح السيسى يتصل بالملك سلمان، أنا خارجة من السجن بقالى 28 يوماً، أعمل إيه؟!».
ولأنك لا تتهاون فى حقوق أى من مواطنيك فى الخارج إلى درجة إصدار أوامرك إلى المقاتلات المصرية للقصاص لـ21 من أبنائك ذبحوا بسكين «الضلال» بيد «داعش».. ولأنك أشهدت العالم على إرادتك وتصميمك على حماية مواطنيك.. ولأن دموع أى عجوز تتعاطف معها.. وبكاء طفل يهزك.. ولأنك أقسمت على الحماية وخضعت لقسمك.. ولأنك قادر بالفعل على العمل وليس الادعاء.. ولأنك تعهدت بالإنجاز وأوفيت بعهدك.. ولكل ذلك فكلنا ينتظر تدخلكم شخصياً لفك أسر مواطنة بريئة تزحف نحو الثمانين من عمرها.. فيا سيادة الرئيس هذه الحاجة الضحية البريئة هى إحدى مواطنيك تستنجد بك.. فكن معها..!