معهد الكلى.. يستقبل 1200 مريض يومياً من أنحاء الجمهورية ويعالجهم مجاناً.. وينتظر دعم المتبرعين ولو بـ«حنفية»
أحد المرضى يتلقى العلاج فى المعهد
على بوابة كبيرة يقف رجل الأمن لإرشاد الزائرين، حيث يتصدر المشهد مرضى غلبهم التعب فلا يستطيعون الحركة، ومدخل على جوانبه علامات التشقق، وشروخ تنتشر بواجهة «المعهد»، ومقاعد متهالكة، وقطط تجدها يميناً ويساراً، فى مشهد لا يسر الوافدين إلى «المعهد القومى للكلى والمسالك البولية».
فى ثانى أكبر مستشفى لعلاج الكلى فى مصر، جلس أهالى المرضى الوافدين من مختلف أرجاء القاهرة الكبرى، ظاهرةً عليهم علامات الحزن والإحباط من إصابة ذويهم بمرض يلازمهم طوال الحياة، ووقوفهم فى قوائم الانتظار ليأتى دورهم بالكشف فى يوم شديد الحرارة يصاحبه إرهاق ساعات الصيام، لا يصبرهم سوى مجانية العلاج وسمعة المستشفى من معارفهم والمحيطين بهم».
مدير الشئون الإدارية: لغينا مكتب التبرعات لعدم إقبال المتبرعين عليه.. ونحول المساعدات الخيرية إلى الخزينة
«الفقر والفشل الكلوى والمعاناة» مثلث رعب يتعايش معه الغالبية فى هذا «المرض» ليل نهار، دون بارقة أمل فى الخروج من نفقه المظلم منذ إصابتهم به، حيث لا يوجد ملاذ للتخلص من المرض سوى بزرع «الكلى» الذى لا يقدرون عليه، يكلف المريض 160 ألف جنيه على الأقل، لتعبر إحدى المريضات أثناء خضوعها للجلسة وهى ترتدى عباءة بيضاء عن رضاها بما كتبه الله عليها، مشيدة بما يقدم بالمعهد من خدمات وتقول: «ربنا يكرمهم كلهم مش عارفين يعملولنا إيه ومابندفعش ولا قرش فى كل جلسات الغسيل الأسبوعية منذ إصابتى بالمرض منذ 6 أعوام».
ورغم زيادة أعداد المرضى وضعف التبرعات وارتفاع حالات الفشل الكلوى، وزيادة عمليات مسالك الأطفال نتيجة العيوب الخلقية وسرطانات الكلى والمسالك، يستمر المعهد فى تقديم الخدمات لكافة المرضى، دون الاستعانة بإعلانات للتبرع، محاولين التخلص من مشكلات متراكمة تتعلق باحتياجات ومستلزمات للمرضى والمعهد وموظفيه.
ووسط تساؤلات واستفسارات حول «مكتب التبرعات»، يسارع رجل الأمن بالمعهد بالإجابة «لا يوجد»، وقالت مدير الشئون الإدارية، هانم أحمد: «أول سنة نلغى مكتب التبرعات لقلة أعداد المتبرعين الأعوام الماضية ولو فيه تبرعات جات بنحولها على الخزينة والحسابات»، مضيفة «أنا أوقات بصلح حاجات محتاجينها المرضى اللى بيصعبوا على أى حد وماباخدش فلوسها وموظفين كتير هنا بيعملوا كده وكله ثواب».
المدير: نواجه أزمات نقص الأدوية وارتفاع أسعار المعدات ومستلزمات الغسيل الكلوى
وتساعد فى ذلك نائبة مدير الشئون الإدارية «إيمان» مستقبلة المتبرعين بترحاب، لتوصيل رسالة لهم بأنهم ينقذون المعهد ولو بأقل التبرعات، موضحة أنه لا يوجد شروط للتبرع فهناك من يتبرع بمستلزمات عينية وهناك من يفضل المساعدة بالمال، وتقول: «بنحاول نقدم تسهيلات وما ينفعش نشترط على حد يتبرع بحاجة معينة».
«8318084509»، هو رقم التبرع الخاص بالمعهد، الذى لم يستقبل هذا العام سوى مبالغ محدودة لتفصح إحدى العاملات بالشئون الإدارية عن حاجة المعهد للكثير من معدات السباكة التى تحتاجها شركة الصيانة لإعادة ترميم بعض الغرف بالمعهد، وتقول «إيمان»: «اللى يقدر يجيب أى حاجة من الأُكر أو الحنفيات هنديه بيها وصل التبرع بدل ما يدفع فلوس وهيكون أحسن ليه ولينا».
ورغم استقبال العيادات الخارجية للمعهد يومياً ما بين 900 و1400 مريض وفى المتوسط 1200 مريض فى اليوم والمرضى من كل أنحاء مصر، وتنفيذ أكثر من 11 ألف جراحة فى السنة و90 حالة زراعة كلى سنوياً، لا يقوم «المعهد» بحملات إعلانية لمطالبة المواطنين بالتبرع مثلما يفعل غيره من المعاهد والمستشفيات نظراً للميزانية المحدودة، «مفيش حد بيدعمنا لإطلاق إعلانات، ومفيش حد بيعبرنا من المتبرعين إلا أعداد قليلة فى رمضان وماشيين على قدنا» بحسب مدير المعهد الدكتور شريف سوار.
وعبر «سوار» لـ«الوطن» عن استيائه من عدم وجود مكتب للعلاقات العامة بالمعهد للترويج له وليكون واجهة مشرفة له فى المؤتمرات والاجتماعات وإدارة شئونه العامة والتواصل مع مختلف المؤسسات للتبرع ويقول «المرتبات هنا ضعيفة ومسئولو العلاقات العامة مرتباتهم بتبقى عالية، بس يكفى يكون فيه موظفين بيحبوا المكان وبيروجوا له».
نقص الأدوية التى توردها الشركة المصرية للأدوية، وارتفاع أسعار المعدات ومستلزمات الغسيل الكلوى التى وصلت أنبوبة الأشعة بها إلى مليون جنيه، كل هذه تحديات يواجهها المعهد بحسب سوار، مضيفاً «فيه تطويرات والجودة جيدة، وكل حاجة شغالة 24 ساعة، والناس وكل الموظفين هنا بيتعاونوا بأقصى درجة ممكنة». وأكد مدير المعهد أن التبرعات مع بداية إنشاء المعهد أسهمت بشكل كبير فى وجود دور بأكمله للعلاج المجانى كصدقة جارية لكثير من المتبرعين، مناشداً المواطنين التبرع، ويقول «إن شاء الله تبقى الدنيا أحسن ونقدم خدمة كويسة للناس».
مرض والدته وموتها بعد معاناة لأعوام مع هذا المرض، جعل محمد أحمد يكرس جزءاً من راتبه شهرياً للتبرع لمعهد الكلى، ويقول «كل ألم بشوفه على مريض الكلى بيفكرنى بأمى وبتمنى أخفف عنهم آلامهم بأى طريقة»، مشيداً بالتسهيلات التى كان يقدمها المعهد سابقاً للمتبرعين، معبراً عن ثقته فى استخدام أموال التبرعات فى مكانها الصحيح.