صحابة الرسول| حذيفة بن اليمان العبسي "حافظ سر النبي"
حذيفة بن اليمان
ولد الصحابي حذيفة بن اليمان العبسي القيسي، في مكة وعاش في المدينة المنورة ومات سنة 36 هجرية في المدائن، وكان أبوه الصحابي الجليل اليمان حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة، وولد بعد أن قتل والده رجلا وهرب إلى يثرب وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه "اليمان"، لحلفه اليمانية وهم الأنصار، وتزوج امرأة منهم وهي "الرباب بنت كعب الأشهلية" وأنجبت "حذيفة" و"سعد" و"صفوان" و"مدلج" و"ليلى"، وأسلمت زوجته وبايعت الرسول.
واجه والده الثأر حتى أجبر على الهرب وترك مكة ولجأ إلى العيش مع عائلته في يثرب، وعندما أعلن الرسول محمد دعوته للإسلام في مكة جاءه "اليمان" مع بقية من أهل يثرب من الأوس والخزرج وبايعوه، ولم يكن حذيفة معهم ولكنه أسلم قبل مشاهدة الرسول، وعندما وصل الرسول سأله حذيفة هل هو يحسب من المهاجرين أم من الأنصار فقال له الرسول "أنت يا حذيفة من المهاجرين والأنصار".
وحمل حذيفة بن اليمان لقب "حافظ سر الرسول"، وذلك بعدما أسر له الرسول بأسماء كافة المنافقين المحيطين بهم ولم يفش بهذا السر لأي كان وهذا هو شأن كل حافظ لسر، حتى كان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب عندما يريد أن يصلي على أحد أموات المسلمين يسأل عن حذيفة حتى لا يصلي على أحد من المنافقين، وذات مرة سأله عمر قائلا: "أفي عمالي منافق؟ قال: نعم قال: من؟ قال: لا أخبرك"، وذات يوم وقع جدال بين عمر وأحد العمال فطرده، وبعد مرور الأيام عرف أنه هو المنافق.
وفي غزوة أحد كان حذيفة في إيمانه وولائه قوياً، فقد رأى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة، ورأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه: "أبي، أبي، إنه أبي!!" ولكنه كان استشهد، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن، لكنه نظر إليهم إشفاقاً وقال: "يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين"، ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة وبعد انتهاء المعركة علم الرسول بذلك، فأمر بالدية عن والد حذيفة حسيل بن جابر لكن حذيفة تصدق بها على المسلمين، فازداد الرسول له حبا وتقديرا.
لمّا نزل به الموت جزع جزعاً شديداً وبكى كثيراً، فقيل له: "ما يبكيك ؟" فقال: "ما أبكي أسفاً على الدنيا، بل الموت أحب إليّ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ"، حتى دخل عليه بعض أصحابه، وسألهم: "أجئتم معكم بأكفان" قالوا: "نعم" قال: "أرونيها" فوجدها جديدة فارهة، فابتسم وقال لهم: "ما هذا لي بكفن، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في القبر إلا قليلاً، حتى أبدل خيرا منهما، أو شرا منهما" وتمتم بكلمات: "مرحباً بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم"، حتى أسلمت الروح لبارئها في عام 36 وذلك بعد مقتل عثمان بن عفان بأربعين ليلة.
وفي عام 1933 ونتيجة وصول مياه نهر دجلة لقبره، رأى الملك غازي ومفتي الديار العراقية ومهندس الأوقاف بضرورة النقل، وقد حضر الملك غازي مراسم فتح القبر والتشييع والدفن، وتم نقل الجثمان بجوار سلمان الفارسي ضمن موكب عسكري وجماهيري، وقال عنه الرسول "إنه لم يكن قبلي نبي إلا وقد أعطى سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، جعفر، علي، حسن، حسين، أبو بكر، عمر، المقداد، عبدالله بن مسعود، حذيفة، سلمان، عمار، بلال".