لم أحزن لهزيمة المنتخب الكروى أمام غانا، كما لم أفرح بتلك المدينة السياحية التى أعلنت القوات المسلحة أنها هدية لأهل الضبعة، ولم أتفاجأ بحديث محافظ القاهرة عن تخطيطه للعاصمة بشكل مختلف فى الأيام المقبلة، ولا بتصريحات وزير الداخلية عن تأمين العودة للمدارس، أو إعلان وزارة السياحة ارتفاع عدد السائحين لمرسى علم ليتجاوز الألف.. لماذا هذا الموقف من كل تلك التصريحات؟ لأنها لا تتجاوز، فى رأيى، حدود المثل الشعبى المصرى الدقيق «كمن رقص على السلم..». تلك هى الحقيقة التى علينا مواجهتها، لأن ما نفعله الآن لا يتعدى مشروعاً هنا وآخر هناك وثالثاً فى الطريق، دون وضع رؤية محددة لما نريد أن تكون عليه مصر بعد عشر سنوات على الأقل فى كل مناحى الحياة. فى الصحة والتعليم والمواصلات والزراعة والصناعة، حتى القمامة! نعم حتى القمامة، فلم يفكر أحد على سبيل المثال من سادة وزارة البيئة فى مشروع للقمامة إما بتصديرها للخارج وبيعها بالأطنان لاستغلالها فى التصنيع فى بلاد أنعم الله عليها برجاحة التفكير، أو بإنشاء مصنع كبير لإنتاج الكهرباء والمياه منها، كما هو حادث فى إسرائيل وتركيا (لدى أمة الله كاتبة المقال تفاصيله). لم يقل أحد لنا كمصريين ماذا سنفعل فى بناء الإنسان المصرى ليواكب المرحلة الحاسمة التى نحياها والمرحلة المقبلة التى نتمناها. لم تجلس الحكومة الموقرة التى لا تدرك معنى أنها حكومة حرب مع بعضها لتضع لنا رؤية شاملة لما ستفعله، ثم تخرج علينا لتعلمنا بالـ«سيستم.. تم تم» الذى علينا اتباعه معها. وهى لا تعلم أنها لو فعلت، لكسبت تأييد المصريين ومشاركتهم لها فى ما تقوم به من جانب، ودعم الخارج لها عبر جذب استثمارات تحول الرؤى لأهداف حقيقية من جانب آخر، آه والله. يؤكد علم الإدارة -الذى لا تجهله حكومتنا ولكنها تتجاهله- على ضرورة إدراك الأشخاص العاملين فى المؤسسة الطامحة للتغيير لملامح الاستراتيجية التى قررها القائد والعمل على تنفيذها. هيواى؟ لأنهم لو لم يفعلوا فلن يستطيع أحد منهم إنجاز المطلوب، أو اتخاذ قرار يتناسب والرؤية الأعم والأشمل للمؤسسة.. آه والله. ولذا أسأل حكومتنا الموقرة والقائمين على أمرنا: ماذا تنتظرون منا ونحن لا نستوعب ما تفكرون به وتحتفظون به سراً فى داخلكم -إما لأنكم تعتقدون أنكم الأكثر فهماً من الشعب، أو أنكم لا تمتلكون الرؤية من الأساس، وكلاهما كارثة- هيواى؟ إذا كنتم ترون فينا جهلاً لا يستحق عناء الشرح، فلن تجدوا منا من ينفذ رؤيتكم الطامحة، أما لو كنتم لا تملكون الإجابات الشافية على تساؤلاتنا فعلينا أن نقلق من المستقبل الذى ائتمنّاكم عليه. يا سادة، لن نخرج من أزمتنا الراهنة إلا برؤية متكاملة لمصر المستقبل يقودها قائد وينفذها ويؤمن بها شعب. أيقنوا أنكم حكومة حرب عليها إنقاذ البلاد والعباد ووضع سيستم.. تم تم. ما يحدث فى مصر الآن هو حالة من فوضى القرارات تذكرنى بمصطلح «فوضى الجزيئات» مع فارق الوصف. حيث إنه، وفى حالة فوضى الجزيئات مهما كانت شدتها، يظل كل جزىء على علم دقيق بموقعه ودوره الذى وجد من أجله، ولكن هذا للأسف ما يفتقده وزراؤنا ومسئولونا الذين لا يدركون لماذا جاءوا فى مناصبهم، وماهية الحالة التى يريدون أن يتركوا مصر عليها عند الرحيل عن تلك المقاعد الوثيرة التى لا تدوم. ولأننا لن نخترع العجلة فمن الممكن شراؤها أو الإتيان بمن ينتجها، فالعلم الحديث فى التخطيط الاستراتيجى لأى مؤسسة يؤكد أن
- See more at: http: //www.forbesmiddleeast.com/read.php?story=1089#sthash.6gEOrT0n.dpuf