«الوطن» تقتحم العالم السرى للتنقيب عن الآثار فى الأقصر
10 جنيهات وعلبة سجائر صينية رديئة كانت كفيلة أن ندخل عالم التنقيب غير المشروع عن الآثار، الذى تحول إلى مهنة يمتهنها كثير من أهالى الأقصر، التى تضم ثلث آثار العالم، التنقيب يتم فى الخفاء داخل المقابر الفرعونية المنتشرة فى مناطق متاخمة لجبال وعرة بالصحراء الغربية والشرقية بجوار المعابد الأثرية، أيام من البحث استغرقتها حتى تعرفت إلى شخص فى منطقة البر الغربى، معروف بشغفه بالتنقيب عن الآثار، وافق أن يطلعنى على أسرار هذا العالم الخفى، قال: «الكنوز للموعودين مش للحسيبة اللى بيحسبوها بالورقة والقلم»، أضاف «حلم استخراج كنوز المقابر يراودنى فى يقظتى ونومى، وأصبح هاجساً يطاردنى حتى الجنون، التنقيب ليس سهلاً، يحتاج خبراء، هناك أشخاص بعينهم يمكنهم تحديد موقع المقبرة من خلال شواهد أثرية مثل لون التربة، وبواقى القطع الفخارية».
أخبرته رغبتى فى الذهاب إلى منطقة جبانات أثرية بها عمليات تنقيب، بعد أن اطمأن لى، أخبرنى أنه سيصحبنى إلى إحدى المقابر، لكن فى وقت القيلولة بعد أن تهدأ المنطقة، وتخلو من المارة حتى لا يرتاب أحد فى أمرنا، انتظرنا حتى الواحدة والنصف ظهراً، ذهبنا معاً بصحبة أحد الأشخاص، الذى علمت أنه شريكه فى التنقيب، ركبنا دراجة بخارية، مررنا بمدقات جبلية غاية فى الخطورة حتى وصلنا إلى المقبرة المقصودة.
دخلنا كوخاً يستريح المنقبون داخله، وجدنا رجلاً يرتدى بنطالاً ممزقاً، وفانلة داخلية غيرت الأتربة لونها الأبيض إلى الأسود، عرفت أنه الحفار، الذى يستعين به المنقبون، طمأنه الرجلان المصاحبان لى، وأخبراه أن يتحدث معى ولكن لا يذكر اسمه أو اسم المنطقة، وأعطاه أحدهم علبة سجائر صينية لا يتعدى ثمنها 4 جنيهات، وأعطيته 10 جنيهات نظير دخولنا لإحدى هذه المقابر. ذهبنا بصحبته إلى منطقة تبعد عن الكوخ الصغير نحو 200 متر، ليتوقف عندها ويقول هنا المقبرة المقصودة وهو يجلس على ركبتيه ويرفع الأتربة الناعمة، لتظهر قوالب من طوب لبن، وضعها لتغطية فتحة المقبرة، وعبر سلم طينى صغير نزلنا إلى المقبرة التى تخلو تماماً من النقوش، وتبدو غير مكتملة، تتكون من صالة بها ممرات، وغرفة واحدة وسرداب طويل يؤدى إلى منافذ أخرى، وجدنا ذئباً صغيراً محنطاً تبرز أسنانه، ويبدو أن المقبرة دخلها العديد من الأفراد لوجود مخلفات أطعمة جديدة.
أكد «الحفار» أن منطقة غرب الأقصر مليئة بالكنوز قائلاً: «أعمل حفاراً منذ سنوات عديدة وكنت شاهداً على علميات تنقيب نفذها كثيرون، وعثروا على مساخيط ذهب وحجارة وكبايات وحلل فراعنة، وتحولت حياتهم من الفقر إلى الثراء، الآن يملكون شركات، وأراضى زراعية لا حصر لها»، وعن المقابل الذى يحصل عليه قال: «بيعطونى اللى فيه النصيب حوالى 300 جنيه لأنى مش باخد آثار، أنا شغلتى أحفر فى المكان اللى يقولولى عليه»، أضاف «هناك حفارون آخرون يحصلون على ربع أو ثلث الكنز فى حالة استخراجه، وهم معروفون للمنقبين لأنهم لا يستعينون بحفارين غير معروفين خوفاً من الشرطة».[Quote_1]
وقال: «المقابر التى شاركت فى حفرها قليلة، لأنى توقفت عدة سنوات خوفاً من بطش الشرطة، وعدت إليها بعد ثورة يناير.. الحفر مهنة عادية، مش عارف الشرطة بتحرمها ليه، المفروض يسبونا ناكل عيش».
ونفى استعانة المنقبين بمشعوذين لفتح المقابر، بقوله «دول شيوخ وبركة، وفيهم مسلمون ومسيحيون، يتمتمون بأوراد وآيات قرآنية ويطلقون البخور لفتح المقبرة، وإحراق حارس الكنز» مشيراً إلى وجود خبراء فى تحديد أماكن المقابر.
حملنا كل هذه المعلومات إلى الأثرى سعدى عبدالقادر، الذى يعد رسالة دكتوراه عن الجبانات الأثرية، حيث أكد أن البر الغربى يحوى الكثير من الجبانات التى لم تكتشف ترجع لأسر وعصور مختلفة، وعن خلو المقبرة التى دخلناها من النقوش، قال: «كثير من المقابر تخلو من النقوش، لوفاة أصحابها قبل الانتهاء منها، وهو ما حدث مع الملك توت عنخ آمون، أو لوفاة صاحب المقبرة فى فترات الضعف السياسى والاقتصادى».
واستبعد عبدالقادر وجود خرائط يستعين بها المنقبون للوصول إلى هذه المقابر، فيما رجح استعانتهم بالأثريين والمراجع التاريخية لفتحها، وأضاف «المنقبون يستعينون بالمشعوذين المغاربة والأفغان وأحياناً من كوم أمبو وإدفو فى أسوان، للاستدلال على المقابر وفتحها واستخراج الكنوز، وهناك عمليات نصب منظمة يقوم بها هؤلاء المشعوذون، يوهمون ضحاياهم بالثراء السريع، وبقدرتهم على استخراج الكنوز»، وعن وفاة منقبين داخل المقابر لعدم استعانتهم بمشعوذين للتعامل مع الجن، أكد أنها خرافات يروجها المشعوذون، وأكد أن من يلقون مصرعهم داخل المقابر نتيجة التسمم بغاز «السيانيد» أو بانهيار المقبرة على رؤوسهم نتيجة الحفر الخاطئ.
ويحكى عن واقعة حدثت فى منطقة الحبيل شرق الأقصر، التى تخلو من الآثار، حيث أوهم أحد المشعوذين شخصاً بوجود كنز فرعونى فى قطعة أرض يمتلكها، وأقنعه بقدرته على استخراجه، وحضر الرجل والمشعوذ فى المكان والزمان المحددين، وقاما بالحفر بعد قياس المشعوذ للمسافات بطريقة حسابية غريبة والتحدث بكلمات غير مفهومة، وبالفعل استخرج المشعوذ تمثالاً صغيراً من الذهب اتضح فيما بعد أنه وضعه ليلاً قبل موعد الحفر، وطار صاحب الأرض من السعادة، بعدها طلب المشعوذ 160 ألف جنيه لشراء بعض الأدوات، والمستلزمات لاستخراج الكنز الأثرى، ولم يتردد صاحب الأرض لحظة وأعطاه ما طلبه فى الحال، ليختفى بعدها تماماً، ويكتشف صاحب الأرض أنه تعرض لعملية نصب وأصيب بجلطة أقعدته طريح الفراش.
وأضاف عبدالقادر أن بعض الأسر فى منطقة غرب الأقصر، تعيش منذ عشرات السنين داخل المقابر الأثرية وتستخدم هذه المقابر استخداماً يضر بالأثر، ويجب على الحكومة أن تخلى هذه المقابر وتعوض أهلها، وتفعّل قانون تجريم التنقيب، الذى يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، ولا تزيد على 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه، ولا تزيد على 7 آلاف جنيه كل من حفر فى مناطق أثرية، وطالب بوضع حراسة على المناطق الأثرية المهملة فى البر الغربى لمواجهة العبث بمقابر الملوك.
حلم العثور على مقبره أثرية يتحول إلى كارثة، وفقاً لتقارير أمنية، فى الأقصر يلقى من 5 إلى 15 شخصاً مصرعهم كل شهر أغلبهم شباب، وهناك العديد من القصص المأساوية ليس آخرها مصرع عشرة أشخاص بمنطقة المناصرة، انهارت عليهم حفرة داخل منزلهم، وخلال الأيام القليلة الماضية تمكنت مباحث السياحة والآثار من ضبط 19 شخصاً، أثناء تنقيبهم عن الآثار بمنطقة معبد إسنا، ولم يقتصر الهوس بالآثار على عمليات التنقيب، بل وصل إلى اقتحام أكثر من 10 أشخاص العام الماضى مخزن البعثة الأثرية الألمانية، لسرقة تمثالين أحدهما من حجر الجرانيت الأسود ويمثل أحد الآلهة، والثانى لرأس تمثال الآلهة سخمت آلهة الحرب فى مصر القديمة. ويحذر العميد حسنى حسين - مفتش السياحة والآثار بمنطقة جنوب الصعيد من عمليات النصب، التى يمكن أن يتعرض لها المواطنون من بعض المشعوذين لأن 90% منها وهمية وتوقعهم تحت طائلة القانون.[Quote_2]