عند مراجعة التاريخ الإسلامى يتأكد دون عناء كم التزوير الذى حدث فى هذا التاريخ واستخدام الدين للسيطرة على عقول النساء، والتزوير هنا لا يعنى به التغيير وفقط وإنما أيضاً إخفاء الحقائق، فكلما ذكرت المرأة فى الإسلام ارتسم فى عقلنا ارتداء النقاب والبقاء حبيسات خلف الجدران، ولا يذكر أن الرسول أوصى بأن نأخذ نصف الدين من «عائشة» أو أنها من استخرج ربع الأحكام الشرعية، وبالتأكيد لا يذكر أحد دورها السياسى الكبير، ومثل السيدة عائشة كثيرات شاركن فى مجالات ربما ما زالت للآن موضع نقاش، هل يسمح للمرأة الدخول فيها أم لا، وأسانيد الممانعين فى الغالب يستخدم فيها الدين، ذكر هذا القصص بالتأكيد سيعيد النظر فى الكلام حول «هل صوت المرأة عورة» أو أن «مكانها المنزل خاضعة طائعة».
من هذه القصص المبهرة قصة السيدة نسيبة بنت كعب، وهى أشرس مقاتلة وسياسية فى التاريخ الإسلامى شهدت ليلة العقبة، وشاركت فى غزوات ومعارك أحد، ويوم حنين، وخيبر، ويوم اليمامة وصلح الحديبية، بدأت سيرتها الذاتية كمحاربة عندما شاركت فى غزوة أحد مع زوجها وابنيها، بالتصور التقليدى لدور النساء فى الأعمال المساعدة، ورعاية الجرحى وتطبيبهم، لكن عندما ظهرت ملامح الهزيمة شاركت هى وزوجها وابناها ضمن عدد صغير من المسلمين التفوا حول الرسول (صلى الله عليه وسلم) دفاعاً عنه، قالت أم عمارة: رأيتُنى، وانكشف الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فما بقى إلا فى نُفير ما يُتمون عشرة، وأنا وابناى وزوجى بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآنى ولا ترس معى، فرأى رجلاً مولياً ومعه تُرس، فقال: ألق تُرسك إلى من يقاتل، فألقاه، فأخذته، فجعلت أترس به عن رسول الله، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل؛ لو كانوا رجالة مثلنا أصبناهم، إن شاء الله. فدعا لهم الرسول ومنهم (أم عمارة) أن يكونوا رفقاءه فى الجنة، كما قال فيها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم أحُد: «ما التفتُ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دونى».
بعد فتح مكة، بلغ النبى محمد أن قبيلة كبيرة اسمها هوازن قد جمعت لقتاله، فقرر الخروج لقتالهم بكامل الجيش الذى فتح مكة، وكان نحو عشرة آلاف مقاتل، تقابل الفريقان فى غزوة حنين ووقع المسلمون فى بداية المعركة فى كمين نصبته هوازن، ففر معظم جيش المسلمين، يومها، وقفت أم عمارة وفى يدها سيف تصيح فى الأنصار: «أيَّة عادة هذه؟! ما لكم وللفِرار؟»! لم تكتف أم عمارة بدورها الحربى بل شاركت كسياسية، فقد خرجت مع النبى محمد وألف وخمسمائة من المسلمين لأداء عمرة، وقبل ما يدخل النبى وأصحابه مكة أرسل عثمان بن عفان ليبلغ قريش أنهم جاءوا للعمرة،
تأخر عثمان فى العودة بالرد، فظنّ المسلمون أن عثمان قُتل، فبايعوا النبى بيعة (الرضوان) على الموت من أجل الحق وكانت أم عمارة ضمن المبايعين ونزل الوحى بقوله تعالى: «لَّقَدْ رَضِى اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً»، كما قال النبى محمد عن من بايعه يومها: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»، لما وصل أمر البيعة لقريش بعثت للنبى (صلى الله عليه وسلم) «سهيل بن عمرو» لعقد الصلح، لنجد أم عمارة ضمن فريق التفاوض تشارك فى المفاوضات وتقول رأيها وتشهد صلح الحديبية الذى عُقد بين المسلمين وأهل مكة بعد عودة عثمان، حتى بعد وفاة الرسول، رغم أثره الكبير فى نفسها (أم عمارة) لكنها لم تتخل عن دورها أبداً كمواطنة لها حقوق وتشارك بالرأى والجهد والدفاع عن بلدها إن لزم الأمر، وشاركت فيما يسمى «حروب الردة» التى أعدها الخليفة أبوبكر الصديق رداً على الممتنعين عن دفع الزكاة وماتت على أثر طعنات عدة فى موقعة اليمامة التى قطع فيها كف يدها.