عندما تقوم أيها المواطن بمراجعة إحدى الجهات الحكومية، للحصول على خدمة أو استخراج شهادة معينة، غالباً ما تطلب منك الجهة استيفاء العديد من الوثائق والمستندات. وهذه الوثائق والمستندات المطلوبة قد تكون فى معظمها صادرة عن جهات حكومية أخرى. بل إن بعضها قد يكون موجوداً لدى إدارة أخرى فى ذات الجهة الحكومية. وقد تكون هذه الوثائق غير متوافرة لدى طالب الشهادة أو الخدمة، الأمر الذى يضطر معه إلى مراجعة الجهات الحكومية المصدرة لها أولاً، بما يعنيه ذلك من إنفاق الكثير من الجهد والوقت والمال، ويؤدى إلى زيادة الضغط على المرافق الحكومية وزيادة عدد المرتادين للطريق العام. وفيما يتعلق بالمحاكم، قد يتم تأجيل جلسات التقاضى أكثر من مرة، فى انتظار الحصول على مستند صادر من جهة حكومية أو للاستفسار عن واقعة أو رخصة أو شهادة صادرة من هذه الجهة. وغنى عن البيان أن ذلك يعد أحد أسباب ظاهرة بطء التقاضى التى تعانى منها المحاكم فى بلادنا.
ومن ثم، ورغبة فى التيسير على المراجعين، عمدت الحكومات فى السابق إلى تطبيق فكرة «مجمع المصالح الحكومية»، بحيث يتم تجميعها فى مكان واحد. كذلك، ومع مطلع الألفية الثالثة، قامت وزارة التنمية الإدارية آنذاك باستحداث «نظام الشباك الواحد». ويمكن أيضاً الإشارة إلى «مركز خدمات المستثمرين»، المنصوص عليه فى الباب الثالث من اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017م.
ورغم تسليمنا الكامل بالدور الذى قامت به هذه المبادرات والأفكار فى التيسير على المواطنين، يلاحظ أن الاتجاه الحديث فى تقديم الخدمات الحكومية يتمثل فيما يطلق عليه «منصة الحكومة المتكاملة». وهذه المنصة عبارة عن منظومة عمل تمكن الجهات الحكومية من تبادل بيانات الوثائق الحكومية رقمياً وعبر قنوات آمنة، بما يسهم فى تبسيط إجراءات الخدمات المقدمة منها. ففى معرض جايتكس 2017م، قام مركز أبوظبى للأنظمة الإلكترونية والمعلومات بالإعلان عن تطبيق مبادرة الحكومة المتكاملة، وذلك من خلال البدء فى تبسيط إجراءات خمسمائة خدمة حكومية تقدم خمسة ملايين معاملة سنوياً. وبدورها، بدأت سلطنة عمان فى تطبيق نهج الحكومة المتكاملة، وذلك من خلال مشروع السحابة الحكومية والدفع الإلكترونى والتصديق الإلكترونى وغيرها من المبادرات الإلكترونية الأخرى. كذلك، قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء برنامج التعاملات الحكومية الإلكترونية (يسر)، بقصد تبادل البيانات الرقمية بين الجهات الحكومية، لتقديم خدماتها إلكترونيـاً بشكل دقيق وسريع وآمن.
وهكذا، ومن خلال منصة الحكومة المتكاملة، تعمد الحكومات الحديثة إلى تقوية وتعزيز التكامل بين الجهات والمؤسسات الحكومية، لتعزيز كفاءة العمل الحكومى، فضلاً عن دعم البيئة الاستثمارية والقدرة التنافسية للدولة، الأمر الذى من شأنه أن يسهم فى جذب رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع الاستثمار الأجنبى. كذلك، نعتقد أن «منصة الحكومة المتكاملة» تؤدى إلى الحد من جرائم التزوير واستعمال المحررات المزورة، الأمر الذى يقود بدوره إلى تخفيف الضغط على النيابات العامة والمحاكم. إن «منصة الحكومة المتكاملة» هى الصورة الأحدث من «نظام الشباك الواحد» الذى قامت وزارة التنمية الإدارية بتطبيقه مع مطلع الألفية الثالثة. وأعتقد أنه قد آن الأوان لاستخدام مفردات وآليات الثورة الرقمية فى ظل الثورة الصناعية الرابعة، بدلاً من الاستمرار فى استعمال ألفاظ من أزمان غابرة، مثل «الشباك الواحد» و«مجمع الخدمات الحكومية» و«مركز خدمات المستثمرين». والله من وراء القصد..