.. يُذكرنى كتاب الراحل زكى نجيب محمود «المعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى» بمظاهر اللامعقول فى سياستنا العربية، فنحن نراقب ما يحدث فى العالم العربى منذ زمن ونرى أن كل شىء يحدث يكون دائماً ضد توجهات المنطقة العربية، لكن المحزن أن أحداً لا يتحرك من حكامنا وكأن شيئاً لم يكن.
العجيب والغريب أن حالة الغليان التى تعيشها شعوبنا من المحيط إلى الخليج لن تنتهى بل ستتعمق كل يوم لأن أحداً لم يعد يستطيع أن يفهم ماذا يحدث.
- القاعدة التى تقول «المتغطى بأمريكا عريان» يعرفها القاصى والدانى، وتتسع مع كل يوم دوائر الكراهية لأمريكا حتى أصبح المواطن الأمريكى مرادفاً للمواطن الكريه، ولم تتفق الشعوب العربية على شىء قدر اتفاقها على كراهية أمريكا للعرب والمسلمين الذين تلصق بهم الاتهامات بالإرهاب من كل حدب وصوب، ورغم ذلك يجد المواطن العربى أن هذه الدولة لها حظوة عند بعض القادة لا تعدلها حظوة أخرى. والحق أن هذا التناقض الذى تظهر به أمريكا هو اللامعقول الذى نراه من حولنا ولا حس ولا خبر!
- سوريا العربية تنزف دماً كل يوم، ويموت من رجالها وأطفالها ونسائها العشرات مع كل صباح، وينزح من شعبها الملايين هرباً من الضرب العشوائى الذى تقوم به أمريكا وإسرائيل ومعهما دول عربية وتتحرش بالجميع تركيا ولا تجد سوريا العربية من يقف معها أو يساندها، والمؤسف أن الجميع يتفرج وينتظر أن تسقط سوريا دون أن يعلم أن الخطر الذى يتهدد سوريا اليوم سوف يبحث له عن دولة عربية أخرى ولن يجد فى هذه الحالة من يسانده.
- جامعة الدول العربية هذا الكيان الهلامى لا أحد يعرف هل هو مع العرب أم ضدهم؟ وهل هو جامعة للنظم والحكومات العربية أم للمعارضة؟ والضرب الذى حدث فى سوريا العربية ويحدث فى اليمن وليبيا لم تحتج عليه مجرد احتجاج هذه الجامعة التى لم نعد نعرف سبباً لوجودها بعد أن طلبت من حلف الناتو أن يدخل ليبيا، وبعد أن أعطت مقعد سوريا العربية إلى المعارضة، وبعد أن نافست أبا الهول فى الصمت الأبدى.
باختصار لقد تحولت الجامعة العربية إلى كيان هش لا يفعل أى شىء، فهو أصبح والعدم سواء.
- القضية الفلسطينية تمر بظروف خانقة، فالمسجد الأقصى «المقدس» قد أغلقه الاحتلال الإسرائيلى ومنع فيه الصلاة، واعترفت أمريكا (صديق العرب على الورق) بكامل القدس لتكون عاصمة لإسرائيل ولم يتحرك أحد، وضاعت القدس كما ضاعت الأندلس، وضاعت أرض العرب الأخرى لواء الأسكندرونة والجولان، ولا حياة لمن تنادى.
بمعنى آخر حياتنا العربية مليئة باللامعقول وسياساتنا الخارجية ترفع شعار «نحن من بنها» ويغلفها الصمت العربى الذى أصبح عنواناً لزماننا الذى يشكو عيوب العرب التى غطت وجه الأرض والسماء.