إذا كان خطف جنود الشرطة والقوات المسلحة أمرا «شبه مألوف» فى مصر، فلا تطالب الحكومة بحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم!. وزارة الداخلية لا تلاحق على كم الشغب والمظاهرات وقطع الطرق التى يقوم بها تنظيم الإخوان الإرهابى، فكيف تطلب منها تنظيم المرور أو توفير الأمن الاجتماعى.. أنت فى مواجهة «الإرهاب» فلا معنى للحديث عن الأمن الجنائى.. وكأن الشرطة تركت للشعب مهمة حماية نفسه، من القنابل العشوائية والمولوتوف والخرطوش.. وبالمرة حماية سيارته وبيته، وعليه ألا يتعرض للخطف لأن الأجهزة الأمنية لن تتحرك إلا إذا كان «المخطوف» من المشاهير!!.
فى منطقة «البعيرات»، غرب الأقصر، اختطفت عصابة مسلحة نجل رجل أعمال معروف، وطالبت بفدية قدرها مليونا جنيه، مقابل إطلاق سراحه.. اسمه أحمد وشهرته «الجعران»، طالب بمعهد إيجوث.. «الجعران» رابع حالة اختطاف خلال أسبوعين فى الأقصر، مما أصاب سكان البر الغربى بالأقصر بحالة رعب، بعضهم سارع بشراء سلاح، (وهى عادة صعيدية)، والبعض الآخر أحجم عن إرسال أولاده ممن تقع مدارسهم بالبر الشرقى!!.
المأساة ليست فى انهيار أسرة «الجعران» فحسب، ولا فى الرعب الذى يجتاح الأقصر، المأساة الحقيقية أن السياحة فى الأقصر فى حالة موت كامل، وعمليات الخطف لا تصادر احتمالات عودة السياحة فحسب، بل تضربها فى مقتل وتتسبب فى هروب المستثمرين.
والغريب أن الأجهزة الأمنية، وفريق البحث الذى يقوده اللواء «عصام الحملى»، مدير المباحث الجنائية، تعلم أن وراء الواقعة عصابة مسلحة يقودها مسجل خطر فئة «أ»، يُعرف فى المنطقة بلقب «السفاح»، مطلوب ضبطه فى عدد من قضايا القتل والسرقة بالإكراه والاختطاف تحت تهديد السلاح، تجاوز عددها 15 قضية.. وكأنه فيلم عربى قديم: «من يقبض على السفاح»؟!.
لقد أصبح الخطف «موضة»، عصابات تحترف خطف الأثرياء، حدث هذا فى الغردقة، وفى المقطم، وفى القاهرة، أما فى مدينة «بدر»، فبعد القبض على التشكيل العصابى تبين أنهم كانوا يحتجزون الأثرياء داخل «خندق» فى منطقة «الكريمات» لحين دفع أسرهم الفدية!!.
ورغم ذلك علينا أن نتغنى ببلد «الأمن والأمان»، وأن نطالب بعودة السياحة وتدفق الاستثمارات العربية على البلاد!!.
إن العصابات المنظمة التى تقوم بخطف الأثرياء تستهدف الاقتصاد الوطنى، المنهار أصلا، وقد يكون لـ«جماعة الإخوان المحظورة» يد فى تحريكها، وإلا فلماذا تحمل العصابات هاتف «الثريا»؟
إنه نوع جديد من «الإرهاب المنظم» يقضى على فرص التنمية والرخاء فى المستقبل، يحرم البسطاء الذين يعيشون على السياحة فى مدينة مثل الأقصر من «أكل العيش».. خطف الأثرياء يخطف من «الجمّال» سائحا يُحتمل أن يأخذه فى جولة سياحية.. يخطف من صاحب البازار فرصة بيع «ورقة بردى».. يخطف الأمن الذى هو الأصل لكل استثمار أو سياحة.
لقد تفرج العالم كله على تخبط مصر فى التعامل مع اختطاف السائحين كوسيلة للضغط على الحكومة للإفراج عن مسجونين من سيناء، ومنهم السائحة النرويجية، وشاهدوا جنودنا يُعاملون كأسرى الحرب من الخاطفين فى عهد «المعزول».. والآن يشاهدون «جماعة إرهابية» تخطف أمننا ونحن عاجزون!.
أما الإعلام الذى اهتز لاختطاف «زينة»، كريمة الدكتور «عفت السادات»، وعودتها سالمة.. فهو لا يعرف «الجعران» ولا يرى قرى سياحية وفنادق تغلق أبوابها.. لا يتحدث عن ازدياد «البطالة» المتوقعة إذا ما قام مستثمرو الأقصر بتسريح جزء من العمالة.. أما «الحكومة» فترى وتسمع وتعرف لكنها لا تتحرك!!.
«الجعران» لن يكون آخر ضحية لعصابات خطف الأثرياء، فهل نعترف بوجود قصور أمنى.. أم نظل نتغنى ببلد الأمن والأمان؟